للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ جَعْفَر أَخُوهُ يَقُول: لَا تمتحن هَذَا فَقل من امتحنه إِلَّا امتحن فِيهِ. فَجَلَسَ يَوْمًا وأحضر جَمِيع من يحب حُضُوره، فَبينا هُوَ على أتم أمرٍن وَأسر حالٍ إِذْ سمع صراخا، فَسَأَلَ عَنهُ، فكتم، فألح، فَعرف أَن ابْنَته - وَلَا ولد لَهُ غَيرهَا - صعدت دَرَجَة فَسَقَطت مِنْهَا فَمَاتَتْ. فَلم يَفِ سروره صدر نَهَاره بِمَا عقب من غمه؛ فَكَانَ يَقُول كثيرا: تفردت بالكمال ... وبالعز والجلال وملكٍ بِلَا نفادٍ ... نرَاهُ وَلَا زَوَال. وشبيه بِهَذَا مَا اتّفق على يزِيد بن عبد الْملك فَإِنَّهُ أحب أَن يخلص لَهُ يومٌ بِأَن تطوى عَنهُ الْأَخْبَار، وأجلس حبابة عَن يَمِينه، وسلامة عَن يسَاره، يشرب وتغنيان، فَلَمَّا صليت الْعَصْر شربت حبابة قدحا، وتنقلت بحب رمانٍ فشرقت بِهِ وَمَاتَتْ، فكمد عَلَيْهَا يزِيد، وَمَات بعد خَمْسَة عشر يَوْمًا. وَكَانَ جَعْفَر بن سُلَيْمَان نِهَايَة فِي الْجَلالَة والشرف، ولى الْمَدِينَة للمنصور بعد انْقِضَاء أَمر مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم. فَأعْطى الْأَمْوَال. وَوصل الشُّعَرَاء وَأمن النَّاس، وشفع فيهم. وَيُقَال إِنَّه سقط من ظَهره إِلَى الأَرْض مَا بِهِ نسمةٌ من ذكرٍ وَأُنْثَى. قَالَ الْأَصْمَعِي: مَا رَأَيْت أكْرم أَخْلَاقًا وَلَا أشرف فعالاً من جَعْفَر بن سليما؛ فتغدينا مَعَه فاستطاب الطَّعَام. فَقَالَ لطباخه: قد أَحْسَنت وسأعتقك وأزوجك. فَقَالَ الطباخ: قد قلت يَا سَيِّدي هَذَا غير مرّة وكذبت. قَالَ: فو الله مَا زَاد على أَن ضحك. وَقَالَ لي: يَا أصمعي. إِنَّمَا يُرِيد البائس " وأخلفت " قَالَ الْأَصْمَعِي: وَإِذا هُوَ قد رضى بأخلفت. ذكر الصمعي أَن ابْن ميادة امتدح جَعْفَر بن سُلَيْمَان فَأمر لَهُ بِمِائَة نَاقَة، فَقبل يَده وَقَالَ: وَالله مَا قبلت يَد قرشي غَيْرك إِلَّا وَاحِدًا. فَقَالَ: أهوَ الْمَنْصُور؟

<<  <  ج: ص:  >  >>