للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحْوج؛ فَلَمَّا طَال ذَلِك كتب إِلَيْهِ: قد رضيت من ولايتك بِشِرَاك نعلٍ. قَالَ عمر: فَكتب إِلَى: مَا رَأَيْتُك فِي شَيْء أَعقل مِنْك فِي هَذَا علمت مَا تسْتَحقّ فرضيت بِهِ. كَانَ جَعْفَر بن سُلَيْمَان بن عَليّ يشغف بجاريةٍ كَانَت من أحسن فتيات عصرها وَجها وغناءً وَضَربا، ثمَّ اشْتَرَاهَا بِعشْرَة آلَاف دِينَار، ومائتي نَاقَة، وَأَرْبَعَة أعدٍ من النّوبَة يرعونها - فَإِن مولاتها استامت فِيهَا ذَلِك - وحظيت عِنْده وَولدت مِنْهُ سيد أَهله فِي زَمَانه أَحْمد بن جَعْفَر. وَكَانَ بلغ عبد الْملك بن صَالح شغفه بهَا، فَكتب إِلَيْهِ: خصك الله يَا أخي بالتنبه على حظك، وَأَقْبل بك إِلَى رشدك، وأنقذك من شَرّ هوى نَفسك. إِنِّي لما نأت عني دَارك، وانقطعت أخبارك استهديت مِمَّن يُرَاعى أمورك مَا انطوى عني من تصرفك فِي أحوالك، لِأَن نَفسِي لم تزل موكلةً بالشفقة عَلَيْك، والمراعاة لأمورك. فَأَتَانِي عَنْك أَنَّك سمحت بِنَفْسِك وجليل قدرك، وَنبيه ذكرك، وعالي شرفك وَمَا ورثته من دينك ومروءتك عَن سلفك، فِي طَاعَة هَوَاك، وَأَنَّك وهبت كلك لمن لم يهب بعضه لَك، وآثرت لَذَّة امتزج ظَاهرهَا بموافقتك وكمنت فِي عواقبها المكارة لَك. فليتك إِذْ طغت نَفسك، وَلم تجنح مَا يزينك أغليت السّوم بِنَفْسِك، وصرفتها إِلَى من يستحقك. وَلَئِن كنت رَأَيْت مَا بذلته من نَفسك وافياً بِقِيمَة من سمحت بِهِ لَهُ، لقد رَأَيْت نَفسك بِعَين غير صَادِقَة التخيل، وقومتها بقيمةٍ مبخوسة الْقدر، فليت شعري من أَيْن أَتَاك سوء الِاخْتِيَار؟ أَمن طَاعَتك التصابي؟ أم منقبولك مشروة وسيط. فلعمري إِنَّه لضد الناصح الْأمين. أم أحدثت لَك هَذَا الرَّأْي سُورَة الشَّرَاب، وارتياح الطَّرب، والإصغاء إِلَى اقتران غزل الشّعْر بنغم الأوتار، وامتزاج رَقِيق الْمعَانِي بِسحر الأغاني؟ فَلَقَد حكمت غير الْعدْل، وآثرت غير الْمُسْتَحق للأثرة. وهلا فَكرت فِي أَنَّك قد ملكت قيادك قينة أَنْت بالتهمة لَهَا أولى من الثِّقَة بهَا. وَلم حملتها على الشاذ من وَفَاء القيان؟ وَلم تتحرز فِيهَا من مَشْهُور غدرهن. أما وَالله لَئِن راجعت رَأْيك، وتدبرت مشورتي عَلَيْك لتعلمن أَنِّي لَك أنصح من نَفسك وَمن نضحائك، وَلَئِن أَقمت على تماديك إِن الْمُصِيبَة بك لعظيمةٌ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>