للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخل يزِيد بن أبي مُسلم على سُلَيْمَان بن عبد الْملك، فَلَمَّا رَآهُ - وَكَانَ دميماً - قَالَ: على رجل أجرّك رسنه وسلطك على الْمُسلمين لَعنه الله. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، رَأَيْتنِي وَالْأَمر عني مُدبر، وَلَو رَأَيْتنِي وَالْأَمر عليّ مقبل لَا استعظمت من أَمْرِي مَا استصغرت. قَالَ لَهُ سُلَيْمَان: أَتَرَى الْحجَّاج بلغ قَعْر جَهَنَّم؟ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، يجِئ الْحجَّاج يَوْم الْقِيَامَة بَين أَبِيك وأخيك، قَابِضا على يَمِين أَبِيك وشمال أَخِيك، فضعه من النَّار حَيْثُ شِئْت. طَاف رجل من بني تغلب بِالْبَيْتِ، وَكَانَ وسيماً طَويلا جميلاً، فَبَصر بِهِ رجل من قُرَيْش كَانَ حسوداً، فَسَأَلَ عَنهُ، فَأخْبر أَنه رجل من بني تغلب، فَلَمَّا حاذاه، قَالَ الْقرشِي يسمعهُ: إنَّهُمَا لرجلان قَلما وطئتا الْبَطْحَاء، فَالْتَفت إِلَيْهِ التغلبي فَقَالَ: يَا هَذَا البطحاوات ثَلَاث؛ فبطحاء الجزيرة إِلَى التغلبي دُونك، وبطحاء ذِي قار أَنا أَحَق بهَا مِنْك، وَهَذِه الْبَطْحَاء، سَوَاء العاكف فِيهِ والباد. قَالَ: فتحير الرجل، فَمَا أَفَاضَ بِكَلِمَة. حدث أَن أَبَا الجهم الْعَدوي وَفد على مُعَاوِيَة، فَبينا هُوَ يَوْمًا من الْأَيَّام يَأْكُل مَعَه إِذْ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: اينا أسن يَا أَبَا الجهم، أَنا أَو أَنْت؟ قَالَ: كَيفَ تَسْأَلنِي فِي هَذَا، وَقد أكلت فِي عرس لأمك قبل تَزْوِيجهَا بأبيك أبي سُفْيَان؟ قَالَ: أَيهمْ هُوَ؟ فَإِنَّهَا كَانَت تستكرم الْأزْوَاج. قَالَ: حَفْص ابْن الْمُغيرَة. قَالَ: ذَاك سلالة قُرَيْش، وَلَكِن احذر السُّلْطَان يَا أَبَا الجهم، يغْضب غضب الصَّبِي، ويثب وثوب الْأسد. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الجهم: إيهاً أراحنا الله مِنْك يَا مُعَاوِيَة. قَالَ: فَإلَى من! إِلَى زهرَة؟ فوَاللَّه مَا عِنْدهم فصل وَلَا فضل، أم إِلَى بني هَاشم؟ فوَاللَّه مَا يرونكم إِلَّا عبيدا لَهُم. ثمَّ أَمر لَهُ بِمِائَة ألف دِرْهَم. قَالَ: فَأَخذهَا متسخطاً، وَقَالَ: رجل يَأْتِي غير بِلَاده، وَيعْمل بِغَيْر رَأْي قومه فَمَاذَا يصنع؟ ثمَّ وَفد على يزِيد وشكا إِلَيْهِ دينا كَانَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ يزِيد: تلزمنا، مَعَ قرابتك قربَة، وَمَعَ حَقك حُقُوق، فاعذرنا. وَأمر لَهُ بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم. قَالَ: فَقَالَ ابْن كليبة فَمَاذَا؟ ثمَّ دَعَاهُ عبد الله بن الزبير إِلَى نَفسه، فوفد إِلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>