زَعَمُوا أَن الطفيليين يَقُولُونَ: إِن الصليّة تبشّر بِمَا بعْدهَا من كَثْرَة الطَّعَام، كَمَا أَن البقيلة تخبر بفنائه، فهم يحْمَدُونَ تِلْكَ ويسمونها المبشرة، ويذمون هَذِه ويسمونها الناعية، حَتَّى صَار المخنثون إِذا شتموا إنْسَانا قَالُوا: يَا وَجه البقيلة. قَالَ البعفوري: اشتهي أَن آكل من الْعِنَب الرازقيّ حَتَّى ينشق بَطْني. فَقيل لَهُ: أَو تشبع؟ قَالَ: هَذَا مَا لَا يكون. أضَاف الْأَعْمَش أَعْرَابِيًا وجاءه برطب وَجعل ينتقي أطايبه، فَقَالَ الْأَعرَابِي: لَا تنتق مِنْهُ شَيْئا، فلست أترك مِنْهُ وَاحِدَة. قَالَ أَبُو العيناء: كَانَ بالريّ مَجُوسِيّ مُوسر فَأسلم، وَحضر شهر رَمَضَان فَلم يطق الصَّوْم، فَنزل إِلَى سرداب لَهُ وَقعد يَأْكُل، فَسمع حسا من السرداب، فَاطلع فِيهِ وَقَالَ: من هَذَا؟ فَقَالَ الشَّيْخ: أَبوك الشقيّ يَأْكُل خبز نَفسه ويفزع من النَّاس. قَالَ كشاجم: أخْبرت عَن قاضيين ظريفين كَانَا متجاورين، أَن أَحدهمَا وَجه إِلَى الآخر فِي غَدَاة بَارِدَة يَدعُوهُ إِلَى الهريسة، وَيَقُول: إِنَّهَا قد أحكمت من اللَّيْل، فَرد الرَّسُول، وَقَالَ: قل لَهُ قد عققتني، وَلم ترد برّي، لِأَن حكم الهريسة أَن يدعى إِلَيْهَا من اللَّيْل فَرجع الرَّسُول فَقَالَ: ارْجع فَقل لَهُ: ذهب عَنْك الصَّوَاب لَيْسَ كل الهرائس تسلم وتجئ طيبَة، فَلم أدعك إِلَّا بعد أَن تبينت طيبها وصلاحها، فَنَهَضَ إِلَيْهِ. قَالُوا: أطول اللَّيَالِي لَيْلَة الْعَقْرَب، وَلَيْلَة الْمزْدَلِفَة، وَلَيْلَة الهريسة. قَالُوا: قَالَ أظرف النَّاس، الباقلاء بقشوره أطيب من طب الجياع، وَلَيْسَ فِي الرزق حِيلَة. وَهَذَا من حجج الطفيليين. قدم إِلَى عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الشعث دجَاجَة مسمنة مشوية، فَقَالَ: يَا غُلَام: أنّى لَك هَذَا؟ إعجاباً بسمنها، فَقَالَ: بعث بهَا الْحَرِيش بن هِلَال القريعيّ وَهُوَ مَعَه على الْمَائِدَة، فَقَالَ: يَا غُلَام، أخرج إليّ كتابا من ثنى الْفراش، فَإِذا هُوَ كتاب الْحجَّاج إِلَيْهِ يَأْمر أَن يقتل الْحَرِيش، وَيبْعَث بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ؛ فَلَمَّا رَآهُ الْحَرِيش قطع بِهِ وَتغَير لَونه، فَقَالَ ابْن الْأَشْعَث: أقبل على طَعَامك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute