للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدخل على الْوَلِيد شَيْخَانِ، فَقَالَ أَحدهمَا: نجدك تملك عشْرين سنة، فَقَالَ الآخر: كذبت، بل نجده يملك سِتِّينَ سنة. قَالَ، فَقَالَ الْوَلِيد: مَا الَّذِي قَالَ هَذَا لاثٍ بصغري وَلَا الَّذِي قَالَ هَذَا يغر مثلي، وَالله لأجمعن المَال جمع من يعِيش أبدا، ولأفرقنه تَفْرِيق من يَمُوت غَدا. وخطب فَقَالَ: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْملك كَانَ يَقُول: الْحجَّاج جلدَة مَا بَين عَيْني، أَلا وَإنَّهُ جلدَة وَجْهي كُله. وَلما مَاتَ عبد الْملك صعد الْوَلِيد الْمِنْبَر، فجمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: لم أر مثلهَا مُصِيبَة وَلم أر مثله ثَوابًا: موت أَمِير الْمُؤمنِينَ، والخلافة، فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون على الْمُصِيبَة، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين على النِّعْمَة انهضوا فَبَايعُوا على بركَة الله. مَاتَ لعبد الْملك ابْن، فجَاء الْوَلِيد فَعَزاهُ، فَقَالَ: يَا بني، مصيبتي فِيك أعظم من مصيبتي بأخيك، مَتى رَأَيْت ابْنا عزى أَبَاهُ؟ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أُمِّي أَمرتنِي بذلك. قَالَ: هُوَ من مشورة النِّسَاء. وَرُوِيَ أَن الْوَلِيد قَامَ على الْمِنْبَر بعد موت عبد الْملك، فَقَالَ: يالها من مُصِيبَة مَا أفجعها وَأَعْظَمهَا، وأشدها وأوجعها وأغمها موت أَمِير الْمُؤمنِينَ ويالها نعْمَة مَا أعظم الْمِنَّة من الله تَعَالَى عَليّ فِيهَا، وَأوجب للشكر لَهُ بهَا، خِلَافَته الَّتِي سربلتها، فَكَانَ أول من عزى نَفسه وهنأها بالخلافة. فَأقبل غيلَان بن مسلمة الثَّقَفِيّ، فَسلم عَلَيْهِ بالخلافة ثمَّ قَالَ: أَصبَحت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ورثت خير الْآبَاء، وَسميت خير الْأَسْمَاء، وَأعْطيت أفضل الْأَشْيَاء فعزم الله لَك على الرزية بِالصبرِ، وأعطاك فِي ذَلِك نوافل الْأجر، وأعانك فِي حسن ثَوَابه على الشُّكْر، ثمَّ قضى لعبد الْملك بِخَير الْقَضِيَّة، وأنزله الْمنَازل الرضية. فأعجبه كَلَامه وَقَالَ: أثقفي أَنْت؟ قَالَ: نعم وَأحد بني معتب. فَسَأَلَهُ: كم هُوَ من الْعَطاء؟ فَقَالَ: فِي مائَة دِينَار. فألحقه بشرف الْعَطاء، فَكَانَ أمل من ألحق بشرف الْعَطاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>