للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَدَعَا بحكاك فحك أَضْرَاسه السُّفْلى، فَلَمَّا ذهب ليحك الْعليا قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، دعها لغضبة أُخْرَى، فَخَلَّاهُ. قَالَ الْفضل بن مَرْوَان: سمعته يَقُول فِي خطبَته: النَّاس جَمِيعًا آمنون إِلَّا أَصْحَاب الْأَهْوَاء. وَقَالَ لكاتب بَين يَدَيْهِ: دع الإطناب، والزم الإيجاز، فَإِن للإيجاز إفهاماً، كَمَا أَن مَعَ الإسهاب استبهاماً. وَلما اشْتَدَّ طَاهِر على مُحَمَّد دخلت عَلَيْهِ أمه أم جَعْفَر باكية، فَقَالَ لَهَا: مَه، إِنَّه لَيْسَ بجزع النِّسَاء وهلعهن تشفى الصُّدُور، وتساس الْأُمُور وللخلافة سياسة تلين مرّة وتخشن أُخْرَى، لَا يَسعهَا صدر المراضيع، وَلَا تحفظ بإضاعة، فإليك إِلَيْك. وَكتب مُحَمَّد إِلَى طَاهِر بِخَطِّهِ: إعلم يَا طَاهِر أَنه مَا قَامَ لنا قَائِم بِحَق فتم لِأَحَدِنَا أمره إِلَّا كَانَ السَّيْف جزاءه مِنْهُ، فَانْظُر لنَفسك أَو دع. فَقَالَ طَاهِر - وَكَانَ قومٌ يضعفون مُحَمَّدًا عِنْده على من يَقُول -: إِن هَذَا مضعف مأفون لَعنه الله، لقد قدح بقلبي نَارا من الحذر لَا يطفئها أمنٌ أبدا. كَانَ الرشيد أَخذ ضَيْعَة من صَالح صَاحب الْمصلى. وَدفعهَا إِلَى أم جَعْفَر فَلَمَّا ولي الْأمين سَأَلَهُ الْفضل بن الرّبيع ردهَا على صَالح، فَقَالَ: أَنا أعوضه ولاأظلم أبي، وَلَا أعق أُمِّي. قَالَ بَعضهم: كنت وَاقِفًا بَين يَدي الْأمين، فَقَالَ لكاتب بَين يَدَيْهِ: اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد الله مُحَمَّد الْأمين أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى طَاهِر بن الْحُسَيْن سلامٌ عَلَيْك. أما بعد، فَإِن الْأَمر قد خرج بيني وَبَين لأخي إِلَى هتك الستور، وكشف الْحرم، وَلست آمن أَن يطْمع فِي هَذَا الْأَمر السحيق الْبعيد، لشتات ألفتنا، وَاخْتِلَاف كلمتنا، وَقد رضيت أَن تكْتب لي أَمَانًا لأخرج إِلَى أخي بِهِ، فَإِن تفضل عَليّ فَأهل لذَلِك، وَإِن قتلني فمروة كسرت مروة، وصمصامة قطعت صمصامة، وَلِأَن تفترسني السَّبع أحب إِلَيّ من أَن ينبحني الْكلاب

<<  <  ج: ص:  >  >>