للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي السباخ، وَكَانَ المَال عِنْدِي بِمَنْزِلَة الْحِجَارَة، وأنسيت الرَّابِعَة. قَالُوا: كَانَت الرَّابِعَة حب الرشيد للفضل بن الرّبيع، وبغض الْمَأْمُون لَهُ. كَانَ يَقُول: أَنا وَالله أستلذ الْعَفو حَتَّى أَخَاف أَلا أوجر عَلَيْهِ وَلَو عرف النَّاس مِقْدَار محبتي للعفو لتقربوا إِلَيّ بِالذنُوبِ. وَكَانَ يَقُول: شرب المَاء بالبلح أدعى إِلَى إخلاص الْحَمد. وَقَالَ الجاحظ: سمعته يقولك الإرجاء دين الْمُلُوك. وَكَانَ يحب الشطرنج واللعب بهَا، وَيَقُول: هُوَ لَهو فكري. وَلم يكن حاذقاً بهَا، فَكَانَ يقولك أَنا أدبر أَمر الدُّنْيَا فأتسع لذَلِك، وأضيق عَن تَدْبِير شبرين فِي شبرين، وَله فِي الشطرنج شعر مَعْرُوف. كَانَ الْعَبَّاس ابْنه مُولَعا بشرى الضّيَاع، والمعتصم أَخُوهُ بشرى الغلمان، فَكَانَ الْمَأْمُون إِذا رآهما تمثل: د، فَإِذا استطبته فاستزده حَتَّى تقضي وطرك مِنْهُ. وَذكر أَن إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي دخل على الْمَأْمُون، وَبَين يَدَيْهِ صَاع رطب، فَقَالَ: أدن فَكل. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا بِي؟ وَكَانَ وجع الْعين، فَقَالَ: وَيحك وَلَا تهب عَيْنك للرطب. وَدخل إِلَيْهِ الطَّبِيب فَشَكا إِلَيْهِ وجع الْأَسْنَان، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تَأْكُل الرطب وَلَا تشرب المَاء بثلج، فَقَالَ: لولاهما مَا أردتك. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت الْمَأْمُون وَقد ضرب غَسَّان بن عباد خمس عشرَة درة لإعادته حدثياً على النَّبِيذ. وَقَالَ الْمَأْمُون لمُحَمد بن يزْدَاد: جئني بِمن يكْتب بَين يَدي كتابا إِلَى عبد الله بن طَاهِر، فجَاء بِسُلَيْمَان بن وهب، فأملى عَلَيْهِ، ثمَّ نظر إِلَى خطه فاستجاده. فَقَالَ: من تكون يَا غُلَام؟ قَالَ: سُلَيْمَان بن وهب بن سعيد عبد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَابْن عَبده. قَالَ: وهب بن سعيد الغريق فِي دجلة؟ قلت: نعم يَا سَيِّدي. قَالَ: لله در أَبِيك مَا كَانَ يُطْفِئ ذكاءه إِلَّا دجلة. وَقع الْمَأْمُون فِي قصَّة متظلم من أبي عِيسَى بن الرشيد: " فَإِذا نفخ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون ". وتظلم إِلَيْهِ قوم من قَاضِي جبل، وَذكروا أَنه يعَض رُؤُوس الْخُصُوم، فَوَقع فِي قصتهم يشنق إِن شَاءَ الله. وَقَالَ: من أَرَادَ أَن يطيب عيشه فليدفع الْأَيَّام بِالْأَيَّامِ. قَالَ أَحْمد بن أبي خَالِد: دخلت على الْمَأْمُون وَهُوَ قَائِم يصفي نبيذاً، فبادرت لأتولى ذَلِك، فَقَالَ: مَه أما أحدٌ يَكْفِينِي هَذَا؟ ، وَلَكِن مجْرَاه على كَبِدِي، فَأَحْبَبْت أَن أتولاه بيَدي. قَالَ الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون لغلامه: إِن رَأَيْت فِي الرصافة بقلاً حسنا فاشتر لي مِنْهُ بِنصْف دِرْهَم. فَقَالَ مَأْمُون: أما إِذا عرفت أَن للدرهم نصفا فوَاللَّه لَا أفلحت أبدا. قَالَ يحيى بن أَكْثَم: ماشيت الْمَأْمُون فِي بستانة، وَيَده فِي يَدي، فَكَانَ فِي الظل، وَأَنا فِي الشَّمْس. فَلَمَّا بلغنَا مَا أردنَا. ورجعنا صرت أَنا فِي الفيئ وَصَارَ هُوَ فِي الشَّمْس، فَدرت إِنَّا إِلَى الشَّمْس، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بإنصاف، كَمَا كنت أَنا فِي الفيئ ذَاهِبًا فَكُن أَنْت فِي الفيئ رَاجعا. قَالَ الْمَأْمُون: أَقمت زَمَانا أداري الرشيد فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء: مِنْهَا أَنه كَانَ يزْعم أَن بَغْدَاد أطيب بِلَاد الله، وَكنت أستوبئها. وَكَانَ يَقُول:؟ إِن وجدت رجلا يقدم عَليّ بن أبي طَالب على من تقدمه ضَربته الْحَد، وَكنت مِمَّن يقدمهُ. وَكَانَ يَقُول: ضَعُوا الْأَمْوَال موَاضعهَا، فَإِنَّكُم إِن صرفتموها عَن أَهلهَا وَوَضَعْتُمُوهَا فِي غَيرهم كنت كمن بذر فِي السباخ، وَكَانَ المَال عِنْدِي بِمَنْزِلَة الْحِجَارَة، وأنسيت الرَّابِعَة. قَالُوا: كَانَت الرَّابِعَة حب الرشيد للفضل بن الرّبيع، وبغض الْمَأْمُون لَهُ. كَانَ يَقُول: أَنا وَالله أستلذ الْعَفو حَتَّى أَخَاف أَلا أوجر عَلَيْهِ وَلَو عرف النَّاس مِقْدَار محبتي للعفو لتقربوا إِلَيّ بِالذنُوبِ. وَكَانَ يَقُول: شرب المَاء بالبلح أدعى إِلَى إخلاص الْحَمد. وَقَالَ الجاحظ: سمعته يقولك الإرجاء دين الْمُلُوك. وَكَانَ يحب الشطرنج واللعب بهَا، وَيَقُول: هُوَ لَهو فكري. وَلم يكن حاذقاً بهَا، فَكَانَ يقولك أَنا أدبر أَمر الدُّنْيَا فأتسع لذَلِك، وأضيق عَن تَدْبِير شبرين فِي شبرين، وَله فِي الشطرنج شعر مَعْرُوف. كَانَ الْعَبَّاس ابْنه مُولَعا بشرى الضّيَاع، والمعتصم أَخُوهُ بشرى الغلمان، فَكَانَ الْمَأْمُون إِذا رآهما تمثل: يَبْنِي الرِّجَال، وَغَيره يَبْنِي الْقرى ... شتان بَين قرى وَبَين الرِّجَال قلق بِكَثْرَة مَاله وجياده ... حَتَّى يفرقها على الْأَبْطَال وَقيل لَهُ: إِن دعبلاً قد هجاك، فَقَالَ: من يَجْسُر أَن يهجو أَبَا عباد على خرقه وعجلته يَجْسُر أَن يهجوني. وَكَانَ يَقُول: إِذا وضحت الْحجَّة ثقل عَليّ اسْتِمَاع الْمُنَازعَة فِيهَا. وحدثه يَوْمًا الْمَدَائِنِي، فقالك إِن مُعَاوِيَة قَالَ: بَنو هَاشم أسود وَاحِدًا وَنحن أَكثر سيداً. فَقَالَ الْمَأْمُون: يَا على إِنَّه قد أقرّ وَادّعى، فَهُوَ فِي ادعائه خصم، وَفِي إِقْرَاره مخصوم. قَالَ ابْن أبي دواد: سمعته يَقُول لرجل: إِنَّمَا هُوَ عذر أَو يَمِين، وَقد وهبتهما لَك، فَلَا تزَال تسئ وَأحسن، وتذنب وأعفو، حَتَّى يكون الْعَفو هُوَ الَّذِي يصلحك.

<<  <  ج: ص:  >  >>