للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَالَ: ثق بالنجاح إِن شَاءَ الله. ثمَّ أَمر لَهُ بِأَلف دِينَار وَكِسْوَة وَطيب. وَكَانَ الواثق عَالما بِكُل شَيْء، وَله صَنْعَة حَسَنَة فِي الْغناء، وَكَانَ يُسمى الْمَأْمُون الصَّغِير، لأدبه وفضله، وَكَانَ الْمَأْمُون يجلسه، وَأَبوهُ المعتصم وَاقِف. وَكَانَ يَقُول: يَا أَبَا إِسْحَاق لَا تؤدب هَارُون، فَأنى أرْضى أدبه، وَلَا تعترض عَلَيْهِ فِي شئ يَفْعَله. قَالَ حمدون: مَا كَانَ فِي الْخُلَفَاء أحلم من الواثق، وَلَا أَصْبِر على أَذَى وَخلاف. كَانَ يُعجبهُ غناء أبي حشيشة الطنبوري، فَوجدَ المسدود من ذَلِك، فَكَانَ يبلغهُ عَنهُ مَا يكره، فيتجاوزه. وَكَانَ المسدود قد هجاه ببيتين كَانَا مَعَه فِي رقْعَة، وَفِي رقْعَة أُخْرَى حَاجَة لَهُ يُرِيد أَن يرفعها إِلَيْهِ، فَنَاوَلَهُ رقْعَة الشّعْر، وَهُوَ يرى أَنَّهَا رقْعَة الْحَاجة، فقرأها الواثق، فَإِذا فِيهَا: من المسدود فِي الْأنف ... إِلَى المسدود فِي الْعين أَنا طبلٌ لَهُ شقّ ... فيا طبلاً بشقين فَلَمَّا قَرَأَ الرقعة علم أَنَّهَا فِيهِ، فَقَالَ للمسدود: قد غَلطت بَين الرقعتين فاحذر أَن يَقع مثل هَذَا عَلَيْك. مَا زَاده على هَذَا القَوْل شَيْئا، وَلَا تغير لَهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ. دخل هَارُون بن زِيَاد مؤدبه عَلَيْهِ، فَأكْرمه وَأظْهر من بره مَا شهره بِهِ، فَقيل لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: من هَذَا الَّذِي فعلت بِهِ مَا فعلت؟ قَالَ: هَذَا أول من فتق لساني بِذكر الله، وأدناني من رَحمته. قَالَ يحيى بن أَكْثَم: لم يحسن أحد من خلفاء بني الْعَبَّاس إِلَى آل أبي طَالب إِحْسَان الواثق، مَا مَاتَ وَفِيهِمْ فَقير. وَقَالَ بَعضهم: كُنَّا فِي دَار الواثق، فَرفع إِلَيْهِ أَن رجلا مِمَّن يُعْطي الْجند أَرْزَاقهم سَأَلَ بعض الْجند أَن يقدمهُ، وألح عَلَيْهِ فَأبى وَقَالَ: إِنِّي أستشفع عَلَيْك. فَقَالَ: شفع لَك النَّبِي مُحَمَّد - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا شفعته. قَالَ: فَرَأَيْت الواثق يرتعد غيظاً، وَأمر بإحضار الرجل فَأدْخل. فَقَالَ للَّذي قرفه: قل مَا قلت فِي وَجهه، فَأَعَادَ، فتلوى الرجل سَاعَة وَأنكر، فَقَالَ الواثق: لَوْلَا أَن فِي خطأ لفظك إِشَارَة إِلَى صَوَاب معناك فِي الْإِقْرَار بِالنُّبُوَّةِ، واستعظامك، ووضعك

<<  <  ج: ص:  >  >>