للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حكى عَنهُ أَحْمد بن يزِيد المهلبي، قَالَ: قَالَ يَوْمًا: يَا مهلبي، إِن الْخُلَفَاء كَانَت تتصعب على الرّعية لتطيعها، وَأَنا أَلين لَهُم ليحبوني ويطيعوني. قيل: أقبل المتَوَكل يَوْمًا، فَقَامَ النَّاس من بعيد، وَلم يقم الْمُنْتَصر حَتَّى قرب مِنْهُ، ففكر المتَوَكل وتمثل: هم سمنوا كَلْبا ليَأْكُل بَعضهم ... وَلَو أخذُوا بالحزم لم يسمن الْكَلْب وَقَالَ أَحْمد بن يزِيد: حضرت المتَوَكل يَوْمًا وَعبيد الله بن يحيى يَقُول لَهُ: قد قدمت رسل الطاغية بكتابه، وَهُوَ يعظم أَمِير الْمُؤمنِينَ، ويسميه - إِذا ذكره - السَّيِّد، وَسَأَلَ وضع الْحَرْب أَربع سِنِين، وَأهْدى بِقِيمَة خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم، فَبِأَي شئ تجيبه؟ قَالَ: أجبه بِأَن رسولهم نَهَاهُم عَن الْحَرْب، وَأَن رَسُولنَا أمرنَا بِالْحَرْبِ، وَلَا سَبِيل إِلَى وَضعهَا إِلَّا بِإِعْطَاء الْجِزْيَة، فَإِن أحب أَن أخففها عَنْهُم فعلت. وأعلمه بِأَنِّي أرق عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ بَلغنِي أَنه فِي سنّ مُحَمَّد - يَعْنِي الْمُنْتَصر - وأضعف لَهُ الْهَدِيَّة، وَأكْثر لَهُ مِمَّا يستطرف فِي بِلَاده. كَانَ يَقُول: إِنِّي لأَكُون غضباناً على إِنْسَان، فيبلغني أَن الْفَتْح راضٍ عَنهُ فأرضى، وَكَذَلِكَ إِن كنت رَاضِيا فبلغني أَنه غَضْبَان غضِبت. وَقَالَ أَحْمد بن يزِيد، قَالَ لي المتَوَكل يَوْمًا: يَا أَحْمد، ثِيَابك فِي رزمة لَا فِي تخت، قلت: كَذَاك هِيَ. قَالَ: لَا تفعل، فَإِنَّهَا فِي التخت أبقى وأنقى، بَان ذَلِك لي فِي تكسيرها. قَالَ إِبْرَاهِيم بن الْمُدبر، قَالَ المتَوَكل: إِذا خرج توقيعي إِلَيْك بِمَا فِيهِ مصلحَة للنَّاس، ورفق بالرعية فأنقذه، وَلَا تراجعني فِيهِ، وَإِذا خرج بِمَا فِيهِ حيف على الرّعية فراجعني، فَإِن قلبِي بيد الله عز وَجل. بلغ المتَوَكل أَن أَحْمد بن حمدون النديم يحمل رقاع الْفَتْح إِلَى خادمه فائز، فأعد لَهُ حجاماً، وأوصاه بِمَا يُرِيد، فَلَمَّا جلس أَحْمد مَعَ الجلساء قَالَ: يَا أَحْمد، مَا جَزَاء من أفسد غُلَام فَتى؟ قَالَ: تقطع أُذُنه، فَدَعَا بالحجام، فَقطع من

<<  <  ج: ص:  >  >>