للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثمَّ أَمر بِجمع النفاطين لتحريق النَّاحِيَة، فَقلت: أَيهَا الْأَمِير، هَذَا من أشرف أَيَّام الْإِسْلَام فَلَا تفسده بِجَهْل غلمة لَا أَخْلَاق لَهُم، وَلم أزل أداريه وأرفق بِهِ حَتَّى سَار. لما ولى المعتضد حسنت آثاره، وَأمر بِالزِّيَادَةِ فِي الْمَسْجِد الْجَامِع بِالْمَدِينَةِ، وَأمر بتسهيل عقبَة حلوان. وَأنْفق عَلَيْهَا نيفاً وَعشْرين ألف دِينَار، وَأمر برد الْمَوَارِيث على ذَوي الْأَرْحَام، وَأخر النيروز، واستبد الْخراج إِلَى وَقت إِدْرَاك الغلات، وَعمر الدُّنْيَا، وَضبط الْأَطْرَاف، وَأحسن السياسة. وَقيل: إِنَّه أفضت إِلَيْهِ الْخلَافَة وَلَيْسَ فِي الخزانة إِلَّا سَبْعَة عشر درهما زائفة وَمَات وَخلف مَا يزِيد على عشْرين ألف ألف دِينَار. لما مَاتَ عبيد الله بن سُلَيْمَان وزيره اسْتَعَانَ ابْنه الْقَاسِم ببدر، ليوليه مَكَان أَبِيه فَسَأَلَ المعتضد فِي بَابه وألح، فَقَالَ: يَا أَبَا النَّجْم، هَذِه عشرَة آلَاف ألف دِينَار من تركته، خُذ نصفهَا، فَقَالَ: يَا مولَايَ، إِذا فعلت مَا أُرِيد فقد أَعْطَيْتنِي كلهَا. فَقَالَ: قد أَجَبْتُك، فاغد بِهِ غَدا، فوَاللَّه لَا يقتلك غَيره، فلست أعرف بالقوم مني، فَكَانَ الْأَمر على مَا ظَنّه وَقَالَهُ. وَقَالَ مرّة: يتحدث النَّاس بِأَنِّي بخيل، وَقد نصبت لَهُم بَدْرًا يفرق عَلَيْهِم مَا أجمع، وَقد وهبت لَهُ مُنْذُ أَيَّام عشرَة أُلَّاف ألف دِرْهَم، لَو أردتها مَا تَأَخّر عني مِنْهَا دِرْهَم وَاحِد، وَلَكِنِّي وَالله لَا أحب أَن أهب قَلِيلا، وَلَا يحْتَمل الْحَال الَّذِي دفعت إِلَيْهِ الْكثير. قَالَ: كَانَ الْحسن بن زيد يُوَجه من طبرستان فِي كل سنة بمالٍ يفرق على الطالبين سرا، واحتذى ذَلِك بعده مُحَمَّد بن زيد أَخُوهُ، فَبلغ ذَلِك المعتضد، فَوجه إِلَى عَليّ بن مُحَمَّد الْقطَّان الَّذِي كَانَ المَال يصل إِلَيْهِ، وَقَالَ: لم يبْعَث هَذَا سرا؟ الصَّوَاب أَن يشهر ليرغب النَّاس فِي فعل مثله، وَيكثر الدُّعَاء لفَاعِله. لما قصد المعتضد الْأَعْرَاب فَصَارَ فِي وسط بُيُوتهم، وهوفي عدد يسير حَتَّى لحقه بدر قيل لَهُ: لَو عرفك الْأَعْرَاب فأقدموا عَلَيْك كَيفَ كَانَت تكون حالك، وَحَال النَّاس؟ فَقَالَ: لَو عرفوني لتفرقوا، أما علمْتُم أَن الرصافية وَحدهَا عشرُون ألفا.

<<  <  ج: ص:  >  >>