ووعده ابْن الْمُدبر بدابةٍ، فَلَمَّا طَالبه قَالَ: أَخَاف أَن أحملك عَلَيْهِ فتقطعني وَلَا أَرَاك. فَقَالَ: عدني أَن تضم إِلَيْهِ حمارا لأواظب مقتضياً. ووعده أَن يحملهُ على بغل، فَلَقِيَهُ فِي الطَّرِيق؛ فَقَالَ: كَيفَ أَصبَحت يَا أَبَا العيناء؟ قَالَ: أَصبَحت بِلَا بغلٍ؛ فَضَحِك من قَوْله، وَبَعثه إِلَيْهِ. وَحمله بَعضهم على دابةٍ، فاشتراها ابْن الرجل مِنْهُ بثمنٍ أَخّرهُ، ولقيه بعد أيامٍ، فَقَالَ: كَيفَ أَنْت يَا أَبَا العيناء؟ قَالَ: بخيرٍ يَا من أَبوهُ يحمل وَهُوَ يرجل. وَقَالَت لَهُ قينة: هَب لي خاتمك أذكرك بِهِ. فَقَالَ: اذكريني بِالْمَنْعِ. وَقَالَت لَهُ قينة: أَنْت أَيْضا يَا أعمى فَقَالَ لَهَا: مَا أستعين على وَجهك بشيءٍ أصلح من الْعَمى. وَقَالَ لصاعدٍ: أَنْت خيرٌ من رَسُول الله؛ فَقَالَ: وَيلك كَيفَ؟ قَالَ: إِن الله تَعَالَى قَالَ لَهُ: " وَلَو كنت فظاً غليظ القلي لانفضوا من حولك "؛ وَأَنت فظ ولسنا ننفض. وَقَالَ ابْن السّكيت يَوْمًا: تراك أحطت بِمَا لم أحط بِهِ. قَالَ: مَا أنْكرت؛ فو الله لقد قَالَ الهدهد، وَهُوَ أخس طائرٍ لِسُلَيْمَان: " أحطت بِمَا لم تحط بِهِ ". وَقَالَ: - وَقدم إِلَى مائدةٍ - عَلَيْهَا أَبُو هفان وَأَبُو العيناء - فالوذج، فَقَالَ أَبُو هفان: لهَذِهِ أحر من مَكَانك فِي جَهَنَّم. فَقَالَ أَبُو العيناء: إِن كَانَت هَذِه حارةً فبردها بشعرك. وَقَالَ لَهُ صاعدٌ يَوْمًا: مَا الَّذِي أخرك عَنَّا؟ قَالَ: بنيتي. قَالَ: وَكَيف؟ قَالَ: قَالَت: يَا أبه؛ قد كنت تَغْدُو من عندنَا فتأتي بالخلعة السّريَّة والجائزة السّنيَّة، ثمَّ أَنْت الْآن تَغْدُو مسدفاً، وَترجع معتماً، فَإلَى من؟ قلت: إِلَى أبي الْعَلَاء ذِي الوزارتين. قَالَت: أيعطيك؟ قلت: لَا. قَالَت: أيشفعك؟ قلت: لَا. قَالَت: أفيرفع مجلسك؟ قلت: لَا. فَقَالَت: يَا أبه، " لم تعبد مَا لَا يسمع وَلَا يبصر وَلَا يُغني عَنْك شَيْئا ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute