للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقيل لَهُ: قد بيض النَّاس جَمِيعًا فِي سَائِر الْآفَاق. فَقَالَ: وَمَا ينفعنا من ذَلِك؟ وَهَذَا عِيسَى بن مُوسَى بعقوبنا، اعْمَلُوا على أَن الدُّنْيَا كلهَا زبدة. قَالَ: فَبِهَذَا سمي مزبداً. كَانَ لامْرَأَة مُزْبِد صديقٌ فضربها وشجها، وَدخل مُزْبِد فرآها على تِلْكَ الْحَال؛ فَقَالَ لَهَا: مَالك وَيلك؟ قَالَت: سَقَطت من الدرجَة، فَقَالَ لَهَا مُزْبِد: أَنْت طالقٌ، إِنَّك لَو سَقَطت من بَنَات نعش مَا أَصَابَك هَذَا كُله. زفت إِلَى مُزْبِد امرأةٌ قبيحة، فَجَاءَت إِلَيْهِ الماشطة، فَقَالَت: بِأَيّ شيءٍ تصبحها؟ قَالَ: بِالطَّلَاق. دفع مُزْبِد إِلَى وَالِي الْمَدِينَة وَمَعَهُ زق، فَأمر بضربه، فَقَالَ: لم تضربني؟ قَالَ: لِأَن مَعَك آلَة الْخمر. قَالَ: وَأَنت - أعزّك الله - مَعَك آلَة الزِّنَى. وَجلسَ مرّة على الطَّرِيق يَبُول وَهُوَ سَكرَان، وَعَلِيهِ طيلسان خلق، فَمر بِهِ رجلٌ فَأخذ طيلسانه؛ فَالْتَفت إِلَيْهِ مُزْبِد وَقَالَ: يَا بني، صرف عَنْك السوء. قَالَ مُزْبِد لرجل: كم تعلف حِمَارك؟ قَالَ: نخرةً بِالْغَدَاةِ، ونخرة بالعشى؛ فَقَالَ: اتَّقِ الله لَا تحمر عَلَيْك. دفع مُزْبِد فِي ذنبٍ إِلَى الْوَالِي؛ فَضَربهُ خَمْسَة وَسبعين سَوْطًا، ثمَّ ظهر لَهُ بَرَاءَة ساحته، فَأحْضرهُ واستحله، فَقَالَ مُزْبِد: لَا، وَلَكِن تقاصني بهَا كلما أذنبت ذَنبا، فَكَانَ يسحب لَهُ كل مرّة إِذا أذْنب بعشرةٍ وَمثلهَا إِلَى أَن نفدت وَفضل عَلَيْهِ شَيْء. وَقَالَ مزبدٌ يَوْمًا: مجالسة الْعضَاة الْحمر الَّتِي لَا ورق لَهَا خيرٌ من مجالسة النَّاس الْيَوْم. لم يبْق إِلَّا ظروفٌ قد عصرت أَرْوَاحهم فأخرجت، وَلَيْسَ فِي أَجْسَادهم أَرْوَاح، أَطُوف نهاري أجمع مَا أرى إِلَّا ظرفا. فَقَالَ لَهُ إِنْسَان: قد بقيت فِي النَّاس بقيةٌ. فَقَالَ مُزْبِد: تِلْكَ الْبَقِيَّة مثلث البلح ثَلَاثَة فِي ثفروقٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>