من أهل الْكُوفَة، وَقد بَلغنِي خبرك، فَرَحَّبَ بِهِ، وَأدْخلهُ الْبَيْت وَأَجْلسهُ، وَأخذ قِطْعَة وَمر ليَشْتَرِي لَهُ شَيْئا يَأْكُلهُ، فَلَمَّا خرج إِلَى السُّوق دنا من الْبَقَّال؛ فَقَالَ: عنْدك خبز؟ فَقَالَ: عِنْدِي خبزٌ كَأَنَّهُ السّمن؛ فَقَالَ المصلح فِي نَفسه: لم لَا أَشْتَرِي مَا نَعته بِهِ؟ فَذهب إِلَى آخر، وَقَالَ: أعندك سمن؟ فَقَالَ: عِنْدِي سمنٌ كَأَنَّهُ الزَّيْت؛ فَقَالَ فِي نَفسه: أذهب فآخذ مَا نَعته بِهِ، فَذهب إِلَى بقالٍ آخر؛ فَقَالَ: عنْدك زَيْت؟ قَالَ: عِنْدِي زَيْت كَأَنَّهُ المَاء، فَقَالَ فِي نَفسه: عِنْدِي وَالله راوية مَاء. فَرجع إِلَى الْبَيْت، وَأخذ المَاء فِي غضارة وَقدمه إِلَى الْكُوفِي وَقَالَ: كل هَذَا، فَإِنَّهُ نعت النَّعْت، فَقَالَ الْكُوفِي: أَنا أشهد أَنكُمْ أحذق بالإصلاح منا بِأَلف دَرَجَة. قَالَ مزبدٌ: أهل الْكُوفَة إِذا عتق عِنْدهم التَّنور دقوه وجعلوه فِي الفتيت. قَالَ بَعضهم: بت عِنْد رجلٍ من أهل الْكُوفَة. وَهُوَ من الموسرين المعروفين بِحسن الْحَال، وَله صبيان نيامٌ بِحَيْثُ أَرَاهُم، فرأيته فِي اللَّيْل يقوم فيقلبهم من جنب إِلَى جنب؛ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قلت لَهُ: رَأَيْتُك يَا أَبَا جَعْفَر البارحة تفعل كَيْت وَكَيْت. قَالَ: نعم، هَؤُلَاءِ الصّبيان يَأْكُلُون وينامون على الْيَسَار، فيمريهم الطَّعَام فيصبحون جياعاً، فَأَنا أقلبهم من الْيَسَار إِلَى الْيَمين؛ لِئَلَّا ينهضهم مَا أكلوه سَرِيعا. قَالَ بَعضهم: دخلت الْكُوفَة فَسمِعت امْرَأَة تَقول: يَا أَبَا جَعْفَر الدقاق، حسيبك الله - وَقد اجْتمع النَّاس عَلَيْهِمَا - فَقَالَ الدقاق: مَالك؟ قَالَت: أَعْطَيْتنِي كيلجة دَقِيق مَا جَاءَ مِنْهَا إِلَّا ثَمَانُون رغيفاً. قَالَ: يَا مسرفة، إِذا كنت تخبزين رغفاناً مثل الأرحبة فَأَي ذَنْب لي؟ . وَقَالَ بَعضهم: رَأَيْت بِالْكُوفَةِ سَائِلًا يتَصَدَّق، وَمَعَهُ منهزة، فَقلت لَهُ: مَا هَذِه؟ . قَالَ: أصيد بهَا الْكسر. قَالَ: وَإِذا هُوَ كلما رموا إِلَيْهِ بكسرةٍ من تِلْكَ الروازين طارت بهَا الرّيح، فتلقاها بالمنهزة. قَالَ آخر: رَأَيْت بِالْكُوفَةِ صَبيا وَمَعَهُ قرصة، وَهُوَ يكسر لقْمَة لقْمَة، وَيَرْمِي بهَا إِلَى شقٍّ فِي بعض الْحِيطَان يخرج مِنْهُ دخانٌ، ويأكلها. قَالَ: فَبَقيت أتعجب مِنْهُ، إِذْ وقف عَلَيْهِ أَبوهُ يسْأَله عَن خَبره؛ فَقَالَ الصَّبِي: هَؤُلَاءِ قد طبخوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute