للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه وتحياته مَا عِنْده، فَلَمَّا قبض الله رَسُوله ضرب الشَّيْطَان برواقه، وَمد طنبه، وَنصب حبائله، وأجلب بخيله وَرجله، واضطرب حَبل الْإِسْلَام، ومرج عَهده، وماج أَهله وبغى الغوائل، وظنت رجال أَن قد أكثبت نهزها، ولات حِين الَّتِي يرجون، وأنى وَالصديق بَين أظهرهم؟ فَقَامَ حاسراً مشمراً قد جمع حاشيتيه، وَرفع قطريه، فَرد نشز الدّين على غره، وَلم شعثه بطبه، وَأقَام أوده بثقافه، فامذقر النِّفَاق بِوَطْئِهِ، وانتاش الدّين فنعشه. فَلَمَّا أراح الْحق على أَهله، وَأقر الرُّءُوس على كواهلها، وحقن الدِّمَاء فِي أهبها حَضرته منيته، نضر الله وَجهه، فسد ثلمته بنظيره فِي الرَّحْمَة ومقتفيه فِي السِّيرَة والمعدلة؛ ذَلِك ابْن الْخطاب، لله أم حملت بِهِ، وَدرت عَلَيْهِ. لقد أوحدت، ففنخ الْكَفَرَة ودنخها، وشرد الشّرك شذر مذر وبعج الأَرْض ونجعها، فقأت أكلهَا، ولفظت خبأها؛ ترأمه ويصدف عَنْهَا، وتصدى لَهُ ويأباها، ثمَّ وزع فَيْئهَا فِيهَا، وودعها كَمَا صحبها. فأروني مَاذَا ترتأون. وَأي يومي أبي تَنْقِمُونَ؟ أيوم إِقَامَته إِذْ عدل فِيكُم أَو يَوْم ظعنه إِذْ نظر لكم. أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم. وَقَالَت: لَو نزل بالجبال الراسيات مَا نزل بِأبي لهاضها، قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، فاشرأب النِّفَاق، وارتدت الْعَرَب قاطبة. وَعَاد أَصْحَاب مُحَمَّد كَأَنَّهُمْ معزى مطيرة فِي خفش، فَمَا اخْتلفُوا فِيهِ من أَمر إِلَّا طَار أبي بغلائه وغنائه. وَمن رأى ابْن الْخطاب علم أَنه كَانَ عوناً لِلْإِسْلَامِ، كَانَ وَالله أحوذياً نَسِيج وَحده، قد أعد للأمور أقرانها. وَلما هلك أَبُو بكر الصّديق رَحمَه الله قَامَت على قَبره فَقَالَت: نضر الله وَجهك، وشكر لَك صَالح سعيك؛ فقد كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عَنْهَا، وَكنت للآخرة معزاً بإقبالك عَلَيْهَا. وَلَئِن كَانَ أعظم المصائب بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ رزؤك، وأكبر الْأَحْدَاث بعد فقدك، إِن كتاب الله ليعد بِحسن العزاء عَنْك حسن الْعِوَض مِنْك، فَنحْن نتنجز من الله موعوده بِالصبرِ عَلَيْك، ونستعيضه مِنْك

<<  <  ج: ص:  >  >>