للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأما بعد، فَكل الْعجب من قوم زين الشَّيْطَان أفعالهم، وارعوى إِلَى صنيعهم، ودب فِي الْفِتْنَة لَهُم، وَنصب حبائله لختلهم، حَتَّى هم عَدو الله بإحياء الْبِدْعَة، ونبش الْفِتْنَة، وتجديد الْجور بعد دروسه، وإظهاره بعد دثوره، وإراقة الدِّمَاء، وَإِبَاحَة الْحمى، وانتهاك محارم الله عز وَجل بعد تحصينها، فتضرم وهاج وتوغر وثار غَضبا لله نصْرَة لدين الله، فأخسأ الشَّيْطَان ووقم كَيده، وكفف إِرَادَته، وقدع محبته، وصعر خَدّه السبقة إِلَى مشايعة أولى النَّاس بخلافة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، الْمَاضِي على سنته، الْمُقْتَدِي بِدِينِهِ، الْمُقْتَص لأثره؛ فَلم يزل سراجه زاهراً؛ وضوؤه لامعاً ونوره ساطعاً. لَهُ من الْأَفْعَال الْغرَر، وَمن الآراء المصاص، وَمن التَّقَدُّم فِي طَاعَة الله عز وَجل اللّبَاب، إِلَى أَن قَبضه الله إِلَيْهِ، قالياً لما خرج مِنْهُ، شانئاً لما نزل من أمره، شنفاً لما كُنَّا فِيهِ، صبا إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ، وائلاً إِلَى مَا دعِي إِلَيْهِ، عَاشِقًا لما هُوَ فِيهِ. فَلَمَّا صَار إِلَى الَّتِي وصفت، وعاين مَا ذكرت أَوْمَأ بهَا إِلَى أَخِيه فِي المعدلة ونظيرة فِي السِّيرَة، وشقيقه فِي الدّيانَة، وَلَو كَانَ غير الله أَرَادَ لأمالها إِلَى ابْنه، ولصيرها فِي عقبه، وَلم يُخرجهَا من ذُريَّته، فَأَخذهَا بِحَقِّهَا، وَقَامَ فِيهَا بقسطها، لم يؤده ثقلهَا، وَلم يبهظه حفظهَا، مشرداً للكفر عَن موطنه ونافراً لَهُ عَن وَكره، ومثيراً لَهُ من مجثمه، حَتَّى فتح الله عز وَجل على يَدَيْهِ أقطار الْبِلَاد، وَنصر الله يقدمهُ، وَمَلَائِكَته تكنفه، وَهُوَ بِاللَّه معتصم، وَعَلِيهِ متوكل، حَتَّى تأكدت عرا الْحق عَلَيْكُم عقدا، واضمحلت عرا الْبَاطِل عَنْكُم حلا، نوره فِي الدجنات سَاطِع، وضوؤه فِي الظُّلُمَات لامع، قالياً للدنيا إِذْ عرفهَا، لافظاً لَهَا إِذْ عجمها، وشانئاً لَهَا إِذْ سبرها؛ تخطبه ويقلاها، وتريده ويأباها، لَا تطلب سواهُ بعلاً، وَلَا نبغي سواهُ نحلاً ٣٥٦ أخْبرهَا أَن الَّتِي يخْطب أرغد مِنْهَا عَيْشًا، وأنضر مِنْهَا حبوراً، وأدوم مِنْهَا سُرُورًا، وَأبقى مِنْهَا خلوداً، وأطول مِنْهَا أَيَّامًا، وأغذق مِنْهَا أَرضًا، وأنعث مِنْهَا جمالاً، وَأتم مِنْهَا بلهنية، وأعذب مِنْهَا رفنية فبشعت نَفسه بذلك لعادتها، واقشعرت

<<  <  ج: ص:  >  >>