وَقَالَ آخر: السُّلْطَان إِن أرضيته أتعبك، وَإِن أغضبته أعطبك. قَالُوا: يَنْبَغِي للْملك أَن يتفقد أَمر خاصته فِي كل يَوْم، وَأمر عامته فِي كل شهر، وَأمر سُلْطَانه فِي كل سَاعَة. قَالَ بَعضهم: إِذا كنت حَافِظًا للسُّلْطَان فِي ولايتك، حذرا مِنْهُ عِنْد تقريبه لَك، أَمينا لَهُ إِذا ائتمنك، تشكر لَهُ وَلَا تكلفه الشُّكْر لَك، تعلمه وكأنك تتعلم مِنْهُ، وتؤدبه وَكَأَنَّهُ يؤدبك، بَصيرًا بهواه، مؤثراً لمنفعته، ذليلا إِن ضامك، رَاضِيا إِن أَعْطَاك، قانعاً إِن حَرمك، وَإِلَّا فابعد مِنْهُ كل الْبعد. قَالَ حَكِيم: مَحل الْملك من رَعيته مَحل الرّوح من الْبدن، وَمحل الرّعية مِنْهُ مَحل الْبدن من الرّوح. فالروح تألم لألم كل عُضْو من أَعْضَاء الْبدن، وسائره لَا يألم لألم غَيره، وَفِي فَسَاد الرّوح فَسَاد جَمِيع الْبدن، وَقد يفْسد بعض الْبدن وَغَيره من سَائِر الْبدن صَحِيح. قَالَ سهل بن هَارُون: يَنْبَغِي للنديم أَن يكون كَأَنَّمَا خلق من قلب الْملك؛ يتَصَرَّف بشهواته، ويتقلب بإرادته، إِذا جد جد، وَإِذا تطلق تطلق؛ لَا يمل المعاشرة، وَلَا يسأم المسامرة، إِذا انتشى تحفظ، وَإِذا صَحا تيقظ. وَيكون كَاتِما لسره، ناشراً لبره، وَيكون للْملك دون العَبْد؛ لِأَن العَبْد يخْدم نَائِبا والنديم يحضر دائباً. كَانَ مَسْرُوق بن الأجدع يُنْهِي عَن عمل السُّلْطَان، فَدَعَاهُ زِيَاد وولاه السلسلة، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: اجْتمع عَليّ زِيَاد وَشُرَيْح والشيطان، فَكَانُوا ثَلَاثَة وَكنت وَاحِدًا فغلبوني. قيل لبَعض من يتَصَرَّف مَعَ السُّلْطَان: لَا تصحبهم؛ فَإِن مثلهم مثل قدر أسود كلما مَسّه إِنْسَان سوده. فَقَالَ: إِن كَانَ خَارج الْقدر أسود فَإِن دَاخله لحم سمين، وَطَعَام لذيذ. كَانَ يُقَال: لَا سُلْطَان إِلَّا بِرِجَال، وَلَا رجال إِلَّا بِمَال، وَلَا مَال إِلَّا بعمارة، وَلَا عمَارَة إِلَّا بِعدْل وَحسن سياسة. قَالَ بعض الْمُلُوك فِي خطْبَة: إِنَّمَا نملك الأجساد لَا النيات، ونحكم بِالْعَدْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute