للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: أستهديك بغلة على شَرْطي. قَالَ: وَمَا شَرْطُك؟ قَالَ: بغلةٌ قصير شعْرُها، طويلٌ عِنانُها، همُّها أمامَها، وسوطُها لجامُها، تستبينُ فِيهَا العلفة، وَلَا تهزلها الرّكْبَة. وَقَالَ يَوْمًا لجلسائه: مَا يُذهبُ الإعياءَ؟ فَقَالَ بَعضهم: التمرُ. وَقَالَ آخر: التمزح وَقَالَ آخر: النومُ. قَالَ: لَا، وَلَكِن قضاءُ الْحَاجة الَّتِي أعْيَا بِسَبَبِهَا. أَتَى بدواب لِابْنِ الْأَشْعَث، فَإِذا سماتُها عدةٌ، فَوسَم تَحت ذَلِك للفرار. كتب الحجاجُ إِلَى قُتَيْبَة: لَا تهجنن بلاءَ أحد من جُندك وَإِن قل، فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك لم يرغب أحدٌ مِنْهُم فِي حُسْن البلاءِ. وأعْط الَّذِي يَأتيك بِمَا تكره صَادِقا مثل الَّذِي يأْتيك بِمَا تحبُّ كَاذِبًا، فَإنَّك إِن لم تفعل غرُّوك وَلم يأْتوك بِالْأَمر على وَجهه. واعلمْ أَنه لَيْسَ لمكذوبٍ رأيٌ، وَلَا فِي حسود، حِيلَة. وَقَالَ لكَاتبه: لَا تجعلن مَالِي عِنْد من لَا أَسْتَطِيع أَخذه مِنْهُ. قَالَ: ومَنْ لَا يَسْتَطِيع الأميرُ أَن يَأْخُذهُ مِنْهُ؟ قَالَ: المُفلس. وَكتب الْوَلِيد بن عبد الْملك إِلَيْهِ يأْمُره أَن يكْتب إِلَيْهِ بسيرته. فَكتب إِلَيْهِ: إِنِّي قد أيقظت رَأْيِي، وأنمت هواي، فأدنيت السيِّدَ المطاع فِي قومه، وَوليت الْحَرْب الحازمَ فِي أمره، وقلدت الْخراج الموفِّر لأمانته، وَقسمت لكل خصْم من نَفسِي قسْماً أعْطِيه حظاً منْ نَظَرِي، ولطيف عنايتي، وصرفت السَّيْف إِلَى النِطف. الْمُسِيء وَالثَّوَاب إِلَى المُحسن البريء، فخاف المُريب صولة الْعقَاب. وَتمسك المحسن بحظِّه من الثَّوَاب. وَقَالَ: لأطلبن الدنْيا طلب من لَا يَمُوت أبدا ولأنفقَنَّها كمَنْ لَا يعِيش أبدا. وخطب فَقَالَ: يَا أهل الْعرَاق: إِن الفتْنة تلْقح بالنجْوى، وتنبَح بالشكْوى، وتحْصدُ بِالسَّيْفِ. أمَا وَالله لقد أبغضتموني فَمَا تضرُّونني، وَلَئِن أحبَبْتموني مَا تنفعونني. وَمَا أَنا بالمُسْتوحش لعدَاوتكم، وَلَا المُسْتريح إِلَى مودتكم. زعمتم أَنِّي ساحرٌ، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: وَلَا يفلح الساحرُ حَيْثُ أَتَى. وزعمتم أَنِّي أحسن الاسْمَ الأكبرَ. فلمَ تقاتلون من يعلم مَا لَا تعْلمون؟ ثمَّ الْتفت إِلَى أهل الشَّام، فَقَالَ: لأرواحُكم أطْيبُ منْ المسكِ، ولدنوُّكُم أنُس من الْوَلَد. وَمَا مثلكُم

<<  <  ج: ص:  >  >>