للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنور الْحق. وَالله لقد وطئكم الْحجَّاج وَطْأَة مُشْفق، عطفتْه رحمٌ، ووصْل قرَابَة. فإياكم أنْ تنزلُّوا عنْ سَنن مَا أقمناكم عَلَيْهِ، فأقطعَ عَلَيْكُم مَا وصَلْتُه لكم بالصارم البتَّات وأقيمَ من أوَدكم مَا يُقيم المُثقِّف من أوَد القنا بالنَّار. هَا إِلَيْكُم. ثمَّ نزل وَهُوَ يَقُول: أَخُو الْحَرْب إِن عضَّتْ بِهِ الحربُ عَضَّها ... وإنْ شمَّرتْ عَن سَاقهَا الحربُ شمرا. وخطب ذَات يَوْم فَقَالَ: إِنَّه وَالله مَا لكم عِنْدِي بُلهنيةٌ وَلَا رُفَهْنيةٌ، وَلَا رَبَغٌ عَن التحلية. وَلَا أَقُول لمن عثر مِنْكُم: دعْ. دعْ. وَلَكِن تعساً لِلْيَدَيْنِ وللفمِ. قَالَ الْحجَّاج لرجل من أهل الشَّام. وَقد أتِىَ بِرَجُل: قُم فاضربْ عُنقه فَقَالَ: أصلح الله الأميرَ، ولي نصْف أجرِه؟ فَقَالَ الحجاجُ: مَا أهمُّ بِأَمْر أَرْجُو فِيهِ القُربة والزُّلفة إِلَّا نازعنيه شاميٌّ. اضْرِب عنقهُ، وَلَك ثلثُ أجره. كَانَ الحجاجُ إِذا استغْرب ضحِكاً وَإِلَى بَين الاستغفارِ. وَكَانَ إِذا صعد الْمِنْبَر تلفَّعَ بمِطرَفه، ثمَّ تكلَّم رويداً فَلَا يكادُ يُسمعُ مِنْهُ، ثمَّ يتزيَّدُ فِي الْكَلَام حَتَّى يُخرج يَده مِن مطْرَفة يزجرُ الزْجرة فيقرعُ بهَا أقْصَى مَنْ فِي الْمَسْجِد. وَكَانَ يُطْعُم فِي كلِّ يَوْم على ألف مائدة، على كل مائدة ثريدٌ وجَنب من شوَاء، وسمكةٌ طريةٌ. ويطافُ بِهِ فِي مِحَفَةٍ على تِلْكَ الموائد ليفتقدَ أُمُور النَّاس، وعَلى كل مائدة عشرةٌ. ثمَّ يَقُول: يَا أهل الشَّام. كسرْوا الخُبز لِئَلَّا يُعادَ عليكُم. وَكَانَ لَهُ ساقيان: أحدُهما يسْقِي المَاء والعسلَ، وَالْآخر يسْقِي اللَّبن. يروي عَن مُحَمَّد بن المُنتشر الْهَمدَانِي، قَالَ: دفع إِلَى الْحجَّاج أزادْ مُرْد بن الهربذ وَأَمرَنِي أَن أستخرج مِنْهُ، وأُغلِظَ لَهُ. فَلَمَّا انْطَلَقت بِهِ قَالَ لي: يَا محمدُ. إِن لَك شرفاً وديناً، وَإِنِّي لَا أُعْطى على القسْر شَيْئا، فاستأْذِني، وارفُق بِي. قَالَ: فَفعلت. قَالَ: فأدّى إِلَيّ فِي أُسْبُوع خمْسَمائة ألف. قَالَ: فَبلغ ذَلِك الْحجَّاج، فأغضبَه، انتزعَه من يَدي، وَدفعه إِلَى رجل كَانَ يتَوَلَّى لَهُ الْعَذَاب، فدق يَدَيْهِ برجليه، وَلم يعطهم شَيْئا.

<<  <  ج: ص:  >  >>