ويؤم الْمِنْبَر. فَقَامَ الناسُ نَحوه، حَتَّى صَعد المنبرَ فَمَكثَ سَاعَة لَا يتَكَلَّم. فَقَالَ الناسُ بَعضهم لبَعض: قبح الله بني أُميَّة حَيْثُ يستعملون مثل هَذَا على العَراق. حَتَّى قَالَ عميْر بن ضابئ البُرجُمي: أَلا أحصبُه لكم؟ قَالُوا: أمْهل حَتَّى ننظرَ. فَلَمَّا رأى عُيُون النَّاس إِلَيْهِ حَسَر اللثامَ عَن فَمه، ونهض فَقَالَ. أَنا ابنُ جَلا وطلاعُ الثنايا ... مَتى أضعِ العِمامَةَ تَعرفوني؟ وَالله يَا أهل الْكُوفَة، إِنِّي أرى رؤساً قد أينْعت، وحان قطافها، وَإِنِّي لصاحُبها كَأَنِّي أنظرُ إِلَى الدِّماء بيْن العَمائم واللِّحىَ: هَذَا أوَانُ الشدِّ فاشتدِّي زِيَمْ ... قد لفها اللَّيْل بسَوِّاقٍ حُطمْ لَيْسَ براعِي إبلٍ وَلَا غنمْ ... وَلَا بجَزَّارٍ على ظهْرِ وَضَمْ قد لفها اللَّيْل بعصلبِيٍّ ... أروعَ خّرَّاجٍ من الدَّوى مهَاجر لَيْسَ بأعرابي قد شمرت عَن سَاقهَا فشّدوا ... وجدَّتِ الحربُ بكمْ فجِدُّوا والقوسُ فِيهَا وتَرٌ عَرُدُّ ... مثل ذِرَاع الْبكر أَو أشدُّ إِنِّي - وَالله - يَا أهل الْعرَاق، مَا يقعْقع لي بالشِّنان، وَلَا يغمز جَانِبي كغمزْ التِّين، وَلَقَد فُرِرتُ عَن ذكاء، وفتِّشت عَن تجْربة. وَإِن أميرَ الْمُؤمنِينَ نثر كِنَانَته، فعجمَ عيدانها عوداً عُوداً، فوجدني أمَرَّها عُوداً وأصلبها مكسراً، فرماكم بِي، لأنكم طالما أوْضعتم فِي الْفِتْنَة واضطجعتم فِي الضَّلَالَة. وَالله لأحْزمنكم حزم السلمة، ولأضربنّكم ضرْب غرائب الْإِبِل، فَأنْتم لكلٍّ أهلٌ. إِنَّمَا أَنْتُم أهلُ قَرْيَة كَانَت آمِنَة مطمئنةً يَأْتِيهَا رِزُقُها رغداً من كلِّ مكانٍ فكفرتْ بأَنُعمِ اللهِ فأذاقَها
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute