أخافُ الله إِن كذبتُ، وأخافكم إِن صدقتُ. فَقَالَ جَزَاك اللهُ عَن الطاعَة خيرا. وأمرَ لَهُ بأُلُوف. فَلَمَّا خرج الأحنفُ لقيَهُ الرجلُ بِالْبَابِ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَحر: إِنِّي لأعْلم أَن شَرّ مَا خلق الله هَذَا وابنُه، وَلَكنهُمْ قد استوثقوا من هَذِه الْأَمْوَال بالأبواب والأقفال، فلسنا نطمعُ فِي استخدامها إِلَّا بِمَا سَمِعت. فَقَالَ لَهُ الأحنفُ: يَا هَذَا أمُسِك، فَإِن ذَات الوَجهين خليقٌ أَلا يكون عِنْد الله وَجيهاً. وَقَالَ الْأَحْنَف: أَلا أدلكُم على المحمَدة بِلَا مرزئة: الخلقُ السجيح والكفُّ عَن الْقَبِيح. وَقَالَ الْأَحْنَف: أَلا أخبركُم بأدوأ الداءِ؟ الخلقُ الدنيءُ، وَاللِّسَان الْبَذِيء وَقَالَ: ثلاثٌ فيَّ مَا أقولُهن إِلَّا ليعتبرَ معتبرٌ: مَا دَخلتُ بَين اثْنَيْنِ حَتَّى يُدخلاني بينهُما، وَلَا أتيتُ بَاب أحد من هَؤُلَاءِ مَا لم أدع إِلَيْهِ - يَعْنِي: السُّلطان - وَلَا حَللتُ حَبَوتي إِلَى مَا يقومُ إِلَيْهِ النَّاس. وَقيل لَهُ: أَي الْمجَالِس أطيبُ؟ قَالَ: مَا سَلم فِيهِ الْبَصَر، واتَّدع فِيهِ البدَنُ. وَكَانَ يَقُول: مَا تزالُ العربُ بِخَير مَا لَيست العمائمَ، وتقلدتِ السيوف وَلم تَعُدَّ الْحلم ذُلاً وَلَا النواهب بَينهَا ضعةً. قَوْله: لبست العمائم، يُرِيد مَا حافظت على زيِّها. وَقَالَ: مَا شاتمتُ أحدا منذُ كنت رجلا، وَلَا زحَمتْ رُكبتاي رُكْبَتَيْهِ، وَإِذا لم أصل مُجنديَّ حَتَّى يُنتح جَبينه - كَمَا تنتح الحميتُ فو الله مَا وصلتُه. وَقَالَ: إِنِّي لأجالس الأحمق السَّاعَة فأتبين ذَلِك فِي عَقْلِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute