للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ يَقُول: مَا بعدَ الصَّوَاب إِلَّا الخطأُ، وَمَا بعد مَنْعِهِنَّ الأَكْفاءَ بذلُهن للسلفة والغوغاء. وَكَانَ يَقُول: لَا تطلُبوا الْحَاجة إِلَى ثَلَاثَة: إِلَى كذوبٍ فَإِنَّهُ يُقرِّبها عَلَيْك وَهِي بعيدةٌ، ويباعدُها وَهِي قريبةٌ، وَلَا أَحمَق فَإِنَّهُ يُرِيد أَن ينفعَك فيضرك، وَلَا إِلَى رجل لَهُ إِلَى صَاحب الْحَاجة حاجةٌ، فَإِنَّهُ يجعلُ حَاجَتك وقاية لِحَاجَتِهِ. وَقَالَ: مَا كشفتُ أحدا قطُّ عَن حَال عِنْده إِلَّا وجَدتُها دون مَا كنتُ أظنُّ. وَقَالَ: رُب ملوم لَا ذنْب لَهُ. وَقدم وَفد الْعرَاق على مُعَاوِيَة: وَفِيهِمْ الْأَحْنَف - فَخرج الْآذِن، فَقَالَ: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يعزمُ عَلَيْك أَلا يتَكَلَّم أحدٌ إِلَّا لنَفسِهِ. فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ قَالَ الأحنفُ: لَوْلَا عزمةُ. أَمِير الْمُؤمنِينَ لأخبرتُه أَن دفةً دفت، ونازلةً نزلت، ونائبة نابت ونابتةً نَبتَت، كلُّهم بِهِ حاجةٌ إِلَى مَعْرُوف أَمِير الْمُؤمنِينَ، وبرِّه. قَالَ: حَسبك يَا أَبَا بَحر، فقد كفيت الْغَائِب والساعد. وَجرى ذكُر رجل عِنْده فاعتابوه. فَقَالَ الأحنفُ: مَا لكُم ولهُ؟ يَأْكُل لَذَّته، وَيَكْفِي قِرنه، وتحملُ الأَرْض ثقله. وَقَالَ لمعاوية - وَقد ذكَّره مقامهُ بصفين -: وَالله إِن الْقُلُوب الَّتِي أبغضناك بهَا لبين جوانحِنا، وَإِن السيوف الَّتِي قَاتَلْنَاك بهَا لعلى عواتِقنا. وَلَئِن مددت بشبر من غدر لنمدن بباع مِن مَحْتد، وَلَئِن شِئْت لتستصِفيَن كدر قُلوبنا بصفو حِلمك. قَالَ: فَإِنِّي أفعلُ. وَلما خطب زيادٌ بِالْبَصْرَةِ قَامَ الأحنفُ فَقَالَ: أَيهَا الأميرُ، قد قلت فأَسمعتَ ووعظت فأَبلغت أيُّها الأميرُ، إِنَّمَا السَّيْف بحدِّه، والفرُس بشدِّه، والرجلُ بجِده، وَإِنَّمَا الثناءُ بعد البلاءِ، والحمدُ بعد العطاءِ، وَلنْ نُثني حَتَّى نبتلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>