بن سعيد صاحب المدونة: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علماً. وسأل رجل مالك بن أنس عن شيء أياماً، فقال: إني إنما أتكلم فيما أحتسب فيه الخير، ولست أحسن مسألتك هذه، وكان يقال: من أجاب في مسألة ينبغي من قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب فيها، قال إذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تصعب عليهم المسائل، ولا يجيب أحدهم في مسألة حتى يأخذ رأي صاحبه، مع ما رزقوا من السداد والتوفيق مع الطهارة، فكيف بنا الذين غطت الخطايا والذنوب قلوبنا. ورأى رجل ربيعة بن عبد الرحمن يبكي، فقال: ما يبكيك. قال: استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم.
قال: ولبعض من يفتي ها هنا أحق بالسجن من السراق.
قال الإمام أحم بن حمدان الحنبلي الحراني قلت: فكيف لو رأي زماننا وإقدام من لا علم عنده على الفتيا، مع قلة خبرته، وسوء سيرته، وشؤم سريرته، وإنما قصده السمعة والرياء، ومماثلة الفضلاء والنبلاء، والمشهورين المستورين، والعلماء الراسخين، والمتبحرين السابقين، ومع هذا فهم ينهون فلا ينتهون، وينبهون فلا ينتبهون، قد أملي لهم بانعكاس الجهال عليهم، وتركوا ما لهم في ذلك وما عليهم فمن أقدم على ما ليس أهلاً له من فتيا أو قضاء أو تدريس أثم، فإن أكثر منه وأصر واستمر فسق، ولم يحل قبول قوله ولا فتياه، ولا قضاه، هذا حكم دين الإسلام، والسلام. ولا اعتبار لمن خالف هذا الصواب، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وذكر ابن حمدان تسرع أمثال هؤلاء إلى الفتوى، وإقدامهم عليها من غير استحقاق هو الذين ح مله على تأليف هذا الكتاب، وقال: