عن حدها الذي حد لها، وذكر أمثلة لذلك كتخصيص الجمعة أو الأربعاء أو السابع أو الثامن في الشهر بالصيام، وكتخصيص الأيام الفاضلة بأنواع العبادات التي لم تشرع لها تخصيصا، كتخصيص اليوم الفولاني بكذا وكذا من الركعات، أو بصدقة كذا وكذا. وقال: فصار التخصيص من المكلف بدعة؛ إذ هي تشريع بغير مستند، ومنه تكرار السورة الواحدة في التلاوة أو في الركعة الواحدة؛ فإن التلاوة لم تشرع على ذلك الوجه، وخرج ابن وضاح عن مصعب، قال: سئل سفيان عن رجل يكثر قراءة (قل هو الله أحد) لايقرأ غيرها كما يقرؤها؟ فكرهه، وقال: إنما أنتم متبعون، فاتبعوا الأولين، ولم يبلغنا عنهم نحو هذا. ومن ذلك قراءة القرآن بهيئة الاجتماع " عشية عرفة " في المسجد تشبها بأهل عرفة، وروني عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه بلغه أن أناسا يجتمعون في المسجد، ويقول أحدهم: هللوا كذا، وسبحوا كذا وكبروا كذا، فيفعلون. فقال ابن مسعود: إنكم لأهدى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أضل؛ بل هذه ـ يعني أضل. وقد أنكر عليهم هذا الصنيع، مع أن هؤلاء ربما ظن دخولهم تحت قوله تعالى:(أذكروا الله ذكراً كثيراً)(١) وإنكار ابن مسعود عليهم الذكر؛ لأنه جاء منهم على هذه الهيئة التي لم يكن الصحابة رضي الله عنهم يفعلونها.
وقال رضي الله عنه: اتبعوا، ولاتبتدعوا، فقد كفيتم، وكل بدعة ضلالة، وقال حذيفة رضي الله عنه: اتبعوا سبيلنا فلئن اتبعتمونا لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن خالقتمونا لقد ضللتم ضلالا بعيدا، وقد أجمع المسلمون على أن من أوقف على صلاة أو قراءة، أو نحوهما غير شرعية لم يصح وقفه.
وقد يقال أن بعض أئمة المذاهب يرون اتباع شرط الواقف إن جاز وقد فرق العلماء بين المباح الذي يفعل لأنه مباح وبين المباح الذي يتخذ دينا وعبادة وطاعة، فمن جعل ماليس دينا ولاعبادة دينا وعبادة كان ذلك حراما باتفاقهم، ووقفه على ذلك باطل. ومعنى قولهم: واتبع شرطه إن جاز. إنه كاشتراطه عدم تغييره، أو بيعه عند الخراب، أو بيعه عند قلة غلته.