وجه الدلالة من الآيتين: أنه أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، وأمره يقتضي الوجوب، ثم بين تعالى أن هذا أزكى وأطهر. ولم يعفو الشارع إلا عن نظر الفجأة، فقد روى الحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:(يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة) قال الحاكم بعد إخراجه: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه: ووافقه الذهبي في تلخيصه، وبمعناه عدة أحاديث.
وما أمر الله بغض البصر إلا لأن النظر إلى من يحرم النظر إليه زناً، فروى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا) متفق عليه، واللفظ لمسلم. وإنما كان زناً لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة ومؤد إلى دخولها في قلب ناظرها، فتعلق في قلبه، فيسعى إلى إيقاع الفاحشة بها. فإذا نهى الشارع عن النظر إليهن لما يؤدي إليه من المفسدة وهو حاصل في الاختلاط، فكذلك الاختلاط ينهى عنه لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه.
الدليل الثالث: الأدلة التي سبقت في أن المرأة عورة، ويجب عليها التستر في جميع بدنها، لأن كشف ذلك أو شيئاً منه يؤدي إلى النظر إليها، والنظر إليها يؤدي إلى تعلق القلب بها، ثم تبذل الأسباب للحصول عليها، وكذلك الاختلاط.
الدليل الرابع: قال تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}(١) .