فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى، وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى نار جهنم، فأبدانهم للغرق، وأرواحهم للنار، والحرق إلا المعاصي، فإنها هي التي دمرت عليهم وأصارتهم إلى أسوأ عاقبة في الدنيا والآخرة، ومن ثمرات المعاصي حرمان العلم وحرمان الرزق كما في المسند:"إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه".
ومنها وحشة يجدها العبد بينه وبين الله وبينه وبين الناس لا سيما أهل الخير منهم، وتعسير أموره فلا يتوجه لأمر إلا وجده مغلقاً أو متعسراً عليه، ومنها حرمان الطاعة، ومنها ظلمة القلب، وجبنه، ووهنه، ووهن البدن، وتقصير العمر، ومحق بركته، فإن البر كما يزيد في العمر فإن الفجور ينقصه، ومنها انسلاخ القلب من استقباحها فتصير له عادة، والمعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه، وتورث الذل ولابد، وتفسد العقل، وإذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها، وتدخل العبد تحت لعنة الله، وتحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في المياه والهواء والزرع والثمار والمساكن والاشجار، قال الله تعالى:{ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} . قال مجاهد: إذا ولي الظالم سعى بالظلم والفساد فيحبس بذلك القطر فيهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد، وقال ابن زيد:(ظهر الفساد في البر والبحر) قال: الذنوب. ولا منافاة بين القولين، فإن الآية تشمل هذا وهذا، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقال:"يا معشر المهاجرين خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذي مضوا، ولا نقص قوم المكيال إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان.
وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم" وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما طفف قوم كيلاً ولا بخسوا ميزاناً إلا منعهم الله عز وجل القطر، وما ظهر في