والتحدث بنعمه، والتحذير من أسباب نقمه، لما في ذلك من أسباب حصول الخير الكثير، والسلامة من حلول العقوبات والتغيير، قال تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ} . وقال تعالى:{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} . وقال تعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} . وقال تعالى:{وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} .
وأعظم نعمة أنعم الله بها على عباده بعثه عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وهما العلم النافع والعمل الصالح، وأصل ذلك وأساسه عبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه، فأشرقت ببعثته قلوب من استجابوا له بعد ظلامها، وخشعت ولانت بعد قسوتها، ونالوا بذلك من القوة بعد الضعف، والعز بعد الذل، والعلم بعد الجهل، ما فتحوا به البلاد وقلوب العباد، وعلت بذلك كلمة الله، وصارت كلمة الكفر إلى السفال والفشل والإذلال، وعزل سلطان الجاهلية والإشراك، فلله الحمد على ذلك.
إلا أن إبليس - أعاذنا الله منه - لشدة عداوته لبني الإنسان، وعظيم تغلغله بالكفر والطغيان، ومزيد جده في الصدف عن طاعة الرحمن، وإن كان قد صدر منه ما صدر من اليأس لم يدع الجد في إطفاء هذا النور، والتنفير من الحق والترغيب في أنواع الكفر والإلحاد والفجور، والدعوة إلى البدع والإكثار من الأز إلى المعاصر والشرور، وبث الشبه والشهوات، وألوان المغريات، على أيدي حزبه ومن استجابوا من شياطين الإنس، ومن أنواع الخدع بزينة الدنيا وزخارفها الفتانة وضروب الشهوات، وشتى أسباب الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، من أجناس الملاهي وصنوف المسكرات، حتى ثقل على القلوب سماع القرآن وحصل التهاون بوعيده، وعدم الاهتمام بزواجره وتهديده، لا سيما بعد ما تصرمت أيام القرون المفضلة، فإنه قد اشتد الخطب، وانفتح باب الشر على مصراعيه، ولم يزل في مزيد، وإن كان ربنا تبارك وتعالى قد منّ ببقاء أصل هذا النور وتأييد هذا الحق بما أجراه على أيدي علماء الصدق ورثة الرسل من تجديد هذا الدين وإقامة حجج الله على عباده، ومع ذلك فالأمر على ما وصفته من تأثير مساعي إبليس وجنوده على الأكثر حتى اشتدت الكربة، وصار الدين في غاية الغربة، ولا سيما أزماننا هذه التي صار فيها عند الأكثر المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والسنة بدعة، والبدعة سنة،