فمن غرائب الشنقيطي الاستدلال به على مشروعية الاحتفال بالمولد مادام شيخ الإسلام يسمي ذلك منكراً، وإنما اعتبر مايترتب على محاولة إزالته من خشية الوقوع في أنكر منه عذراً عن تلك المحاولة، من باب اعتبار مقادير المصالح والمفاسد وقد بسط شيخ الإسلام الكلام على هذا النوع في رسالته في " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ومن ضمن بحثه في ذلك قوله: ومن هذا الباب ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي ابن سلول وأمثاله من أئمة النفاق والفجور لما لهم من أعوان، فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، ولهذا لما خطب الناس في قضية الإفك بما خطبهم به واستعذر منه وقال له سعد بن معاذ قوله الذي أحسن فيه حمي له سعد بن عبادة ـ مع حسن إيمانه وصدقه ـ وتعصب لكل منهما قبيلته حتى كادت تكون فتنة.
ومن هذا يعلم أن لا ملازمة بين ترك النهي عن الشيء لمانع وبين إباحة ذلك الشيء كما تخيله الشنقيطي، وقد فاته أن هذه العبارة التي نقلها عن شيخ الإسلام في عدم النهي عن المنكر إذا ترتب عليه الوقوع في أنكر منه لا تصلح جواباً لمن سأل عن الاحتفال بالمولد هل هو بدعة أم لا في بلد لا يقام فيه ذلك الاحتفال، وإنما تعتبر جواباً لمن سأل عن حكم الإنكار على من اتخذ المولد عيداً إذا ترتب على الإنكار الوقوع في أنكر منه.
كما فاته أن ما ذكره من جهة أغاني أم كلثوم وما عطفه عليها لا يعتبر مبرراً للابتداع، فإن الباطل إنما يزال بالحق لا بالباطل.::::::