[تساؤل الصحابة عن الداخلين الجنة بغير حساب]
أيها الأحبة: إلى الآن ما تعرفنا بعد على هذه الصفوة الكريمة المختارة، فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شغلهم الحديث، وشغلهم هذا الوصف من رسول الله لهؤلاء الأخيار الذين لا يقفون في أرض المحشر للحساب، بل ويدخلون الجنة بلا سابقة عذاب.
قال بعض الصحابة: هؤلاء الذين بلغوا هذه الدرجة العالية والمكانة السامقة السامية، هم أصحاب النبي الذين صحبوا رسول الله، والذين اكتحلت عيونهم برؤية الحبيب المصطفى -ولا تعجب-، فالصحبة شرفها عظيم، فضلها جسيم! والصحابي هو من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به ومات على ذلك، وهذا هو أجمع تعريف للصحابي كما قال الحافظ ابن حجر في الإصابة، قال: الصحابي هو كل من رأى النبي، وآمن به، ومات على الإسلام.
وهذا تعريف جامع شامل.
فالصحابي هو من اكتحلت عينه برؤية الحبيب النبي، وآمن بالمصطفى، ومات على التوحيد والإيمان، فلا عجب إذاً أن يكون الصحابة هم السبعين ألفاً (فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم).
أيها الأخيار! الصحابة هم أطهر الخلق بعد الأنبياء والمرسلين، قال ابن مسعود، والأثر رواه أحمد في مسنده بسند حسن: (إن الله تعالى قد نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد خير قلوب أهل الأرض فاصطفاه الله لعباده، ثم نظر الله في قلوب أهل الأرض بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب أهل الأرض فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه).
ولذا قال ابن مسعود: (من كان مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة، وأبرها قلوباً وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم).
أولئك أصحاب النبي الكريم الذين زكاهم رب العالمين وسيد المرسلين! أيها الأحباب! من المعلوم أن كل تلميذ يقتبس في العادة من أستاذه ومعلمه، ولك أن تتصور أخي الحبيب كيف يكون الاقتباس إذا كان المعلم هو سيد الناس، فهؤلاء الذين حولوا المنهج الإسلامي إلى واقع عملي يتألق سمواً وروعة وجلالاً، كان شعارهم دوماً: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:٢٨٥].
هؤلاء استحقوا من الله أن يزكيهم بهذه التزكية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠]، فهم المخاطبون ابتداءً بهذه الآية، وهم المخاطبون ابتداءً بقوله سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:١٤٣].
وزكى الله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:١٠٠] وزكى الله الأصحاب بقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:١٨].
وزكاهم الله بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:٢٩] هذه تزكية الله لأصحاب النبي.
وقد زكاهم الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود فقال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).
وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري: (رفع النبي صلى الله عليه وسلم يوماً رأسه إلى السماء وقال: النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون).
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي! فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
وفي صحيح مسلم من حديث عائذ بن عمر أن أبا سفيان مر على نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم بلال وسلمان وصهيب، فلما رأى أصحاب النبي أبا سفيان قالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر رضي الله عنه لأصحاب النبي من الفقراء: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم، ثم قام الصديق فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما كان.
ماذا قال النبي لـ أبي بكر لصاحب سنام الصديقية في هذه الأمة؟ قال: (يا أبا بكر إن كنت أغضبت سلمان وصهيباً وبلالاً فقد أغضبت ربك عز وجل، فقام الصديق مسرعاً لإخوانه، فقال: يا إخوتي، أوغضبتم مني؟ قالوا: لا، يغفر الله لك) هذه مكانة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند الله وعند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.