للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثلاثة مواقف عظيمة من مواقف يوم القيامة]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته، ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتي في الله! (في رحاب الدار الآخرة): سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي، الهدف منها تذكير الناس بالآخرة، في وقت طغت فيه الماديات والشهوات، وانحرف كثير من الناس عن منهج رب الأرض والسماوات، ليعود الناس إلى الله جل وعلا، وليتداركوا ما قد فات، قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.

وهذا هو لقاؤنا الثاني عشر من لقاءات هذه السلسلة الكريمة المباركة، وكنا قد توقفنا في اللقاء الماضي مع البشرية كلها، وهي في أرض المحشر وقد أصابها من الهم والغم والكرب ما لا يستطيع بليغ على وجه الأرض أن يجسده، الشمس فوق الرءوس تكاد تذيب الجماجم والعظام، والزحام وحده يكاد يخنق الأنفاس، فالبشرية كلها -منذ أن خلق الله آدم إلى آخر رجل قامت علية الساعة- تقف في موقف واحد، في أرض واحدة.

العرق يكاد يغرق الناس كلٌ بحسب عمله، جهنم -أعاذنا الله وإياكم من حرها- قد أتي بها، لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، يؤتَى بها إلى أرض المحشر، فإذا ما رأت الخلائق زفرت وزمجرت غضباً منها لغضب ربها جل وعلا، حينئذ تجثوا جميع الأمم على الركب من هول الموقف وكربه والعياذ بالله، بل ولا يتكلم يومها أحد إلا الأنبياء، ودعاء الأنبياء يومئذ: اللهم سلم سلم!! اللهم سلم سلم!!! يزداد الهم والكرب على الخلق، فيقول بعضهم لبعض: ألا ترون ما نحن فيه؟! ألا ترون ما قد بلغنا؟! ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟! ويذهبون إلى صفوة الله من خلقه: إلى الأنبياء والمرسلين، فيقول كل نبي: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ثم يقول: نفسي، نفسي، نفسي! يقول آدم: نفسي، ويقول نوح: نفسي، ويقول إبراهيم: نفسي، ويقول موسى: نفسي، ويقول: عيسى: نفسي، إلا المصطفى، فهو صفوة الله من خلقه وأكرم الخلق على الله.

يقول الحبيب: فيأتونني، فيقولون: يا رسول الله! ألا ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! ألا تشفع لنا إلى ربك؟! فأقوم وأقول: أنا لها، ويخر ساجداً تحت عرش الرحمن جل جلاله، ويثني على الله سبحانه وتعالى بما لم يفتح الله به على أحد من قبله، ولا على أحد من بعد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، فينادي عليه ربه ويقول: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فيقول المصطفى: يا رب! أمتي أمتي أمتي وفى حديث الصور الطويل يقول الله جل وعلا لنبيه المصطفى: (ما شأنك؟ وهو أعلم، فيقول الحبيب: يا رب! قد وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك، فاقضِ بينهم، فيقول الله جل وعلا: قد شفعتك، أنا آتيكم لأقضي بينكم، فيرجع الحبيب المصطفى ويقف مع الناس في أرض المحشر؛ لينتظروا جميعاً مجيء الرب جل جلاله لفصل القضاء بين العباد).

ولقاؤنا اليوم مع حضراتكم في هذا اليوم الأغر المبارك، سوف يتركز الحديث فيه حول العناصر التالية: أولاً: مجيء الرب جل جلاله.

ثانياً: أول من يكلمهم الله يوم القيامة.

ثالثاً: العرض على الله جل وعلا وأخذ الكتب.

فأعيروني القلوب والأسماع فإن هذه الكلمات ورب الكعبة تكاد تخلع القلوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>