للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثياب أهل النار]

أيها اللاهي! أيها الساهي! أيها العاصي! أيها المذنب! أيها المضيع للصلاة! أيها المضيع للزكاة! أيها المضيع للحج مع القدرة والاستطاعة! أيها العاق لوالديك! أيها المؤذي لجيرانك! أيها المسيء! أيها الصاد عن دعوة الله وعن سبيل الله! تذكر هذه اللحظات، وتذكر هذه الآيات، وتذكر هذه الكلمات من الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، فالطعام في النار نار، والشراب في النار نار، حتى الثياب من النار! قال ابن عباس: (تبارك من جعل لأهل النار من النار ثياباً)، قال تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم:٤٩ - ٥٠] القطران: هو النحاس الذي أذيب من شدة الغليان، فالثياب من قطران، وقال الله جل وعلا: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:١٩ - ٢٢].

الطعام نار والشراب نار والثياب نار، وهنا يستغيث أهل النار بخزنة جهنم؛ ليتضرع خزنة جهنم إلى الله أن يخفف عن أهل النار يوماً واحداً من العذاب، قال جل وعلا: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:٤٩ - ٥٠].

فيرجعون بخيبة أمل فينادون على مالك رئيس الخزنة: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف:٧٧] ماذا تريدون؟ نريد الموت نريد الهلاك نريد الخلاص من هذا العذاب: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:٧٧]، فيتذكر أهل النار إخوانهم وأهلهم وأحبابهم ممن كانوا يسخرون منهم في الدنيا من أهل التوحيد.

اللهم اختم لنا بالتوحيد واجعلنا من أهل التوحيد.

يتذكر أهل النار أهل التوحيد ممن كانوا يهزءون بهم في الدنيا ويسخرون منهم في الدنيا فينادون عليهم: نريد شربة ماء، نريد شيئاً مما رزقكم به رب الأرض والسماء: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [الأعراف:٥٠ - ٥١].

فيرجعون بخيبة أمل جديدة! ثم ينادون الله، فيأتي الجواب من الله وهو الرحمن، لكن كفرهم كان عنيداً، لكن كبرهم كان كبيراً! ينادون الله، فيرد ربنا جل وعلا عليهم بقوله: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٥ - ١٠٨].

وبهذا يظل أهل الكفر في هذا العذاب الخالد المقيم! وينجو من النار أهل التوحيد برحمة رب العالمين، وشفاعة سيد النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، وشفاعة المؤمنين الصادقين، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر هذا اللقاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>