أيها الأحباب! والله الذي لا إله غيره لو عرفت الأمة حقيقة التوكل وتعبدت به إلى الله، لرفع الله شأنها ولأعزها ولمكن لها في الأرض، ولكن الأمة اليوم لم تحقق هذا المعنى وأصبحت تتكلم دون أن تباشر وتأخذ بالأسباب.
هذا سيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم في يوم الهجرة يستأجر مشركاً ليدله على الطريق، وهو سيد المتوكلين، لماذا لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: معي ربي سيدلني على الطريق؟! لا.
بل يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالأسباب، فيستأجر مشركاً ليدله على الطريق، ويحمل الراحلة والزاد.
وفي يوم أحد يحارب النبي صلى الله عليه وسلم بين درعين، وكان يدخر لقومه ولأهله القوت في بيته وهو سيد المتوكلين.
هذا هو التوكل الحقيقي أن نأخذ بالأسباب، أن نبذر الحب في الأرض، وأن نتعاهد الزرع بالري والحرث والتنقية، وأن تتعلق قلوبنا بعد ذلك بالله لا بالأسباب، لأن الأسباب وحدها لا تضر ولا تنفع، ولا ترزق ولا تمنع إلا بأمر مسبب الأسباب جل جلاله، وهذا هو التوكل الذي أمر الله به نبيه فقال:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ}[الفرقان:٥٨]{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}[آل عمران:١٥٩]{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران:١٥٩]{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}[النمل:٧٩].
وأثنى الله على أنبيائه ورسله الذين قالوا:{وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}[إبراهيم:١٢]، وأثنى على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:١٧٣]، وأثنى على أوليائه الذين قالوا:{رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[الممتحنة:٤].
التوكل على الله شعار الأنبياء ودأبهم، ففي صحيح البخاري من حديث ابن عباس قال:(حسبنا الله ونعم الوكيل: قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قيل له:{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:١٧٣]).