فيا أيها الأحبة الكرام! بين لنا الحق جل وعلا أنه رفع عيسى إليه إلى يوم الوقت المعلوم، الذي سينزله فيه مرة أخرى إلى الأرض؛ ليكون علامة كبرى على قيام الساعة، فقال تبارك وتعالى في سورة الزخرف مخاطباً نبيه المصطفى:{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}[الزخرف:٥٧]، إلى قوله سبحانه:{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ}[الزخرف:٦١].
وفي قراءة ابن عباس ومجاهد (وإنه لَعَلَم للساعة) فنزول عيسى علامة وأمارة على قيام الساعة.
(وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) أو: (وإنه لَعَلَم)، أي: لعلامة وأمارة على قيام الساعة.
بل وروى ابن جرير بسند صحيح أن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(وَإِنَّهُ لَعلمٌ لِلسَّاعَةِ) هو خروج عيسى عليه السلام، فإن نزل فهذه علامة كبرى تدل على قرب قيام الساعة، وقال تعالى في الآية التي ذكرت آنفا:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}[النساء:١٥٩] أي: قبل موت عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
وقد بينت السنة الصحيحة المتواترة نزول عيسى -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- إلى الأرض من السماء.
تدبر معي بعض هذه الأدلة: ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى بن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد).
قوله:(والذي نفسي بيده) قسم من المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى بن مريم حكماً مقسطاً) أي: عادلاً (فيكسر الصليب) ليبطل زعم النصارى: أن هذا الصليب هو الذي صلب عليه عيسى -تعالى الله عما يقولون- قوله:(ويقتلُ الخنزير) أو: (ويقتلَ الخنزير) واللغتان صحيحتان، قوله:(ويضع الجزية ويفيض المال)، أي: يكثر المال حتى يخرج الرجل بماله وبصدقته يتمنى أن يمر عليه فقير؛ ليأخذ الصدقة فلا يجد، اللهم عجل بهذه الخيرات والبركات يا رب الأرض والسماوات!