للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حشر المتقين إلى الرحمن وفداً

واعلموا عباد الله أن الطريق الذي يوصل الناس إلى جنة رب العالمين إنما هو طريق واحد، قال الله جل وعلا: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٢٥٧].

يقول الله عز وجل في وصف حال الناس في الحشر: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مريم:٨٥ - ٨٦] هكذا يحشر المتقون، وهكذا يساق المجرمون، وحق لنا -نحن الموحدين- أن نفخر في هذه اللحظات، وأن ننادي على هؤلاء ونقول لهم: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم:٧٣] ألم يسخر المشركون من الموحدين في الدنيا؟! ألم يهزأ المجرمون من الموحدين في الدنيا؟! ألم يعير المجرمون الضعفاء والفقراء من المؤمنين؟! ألم يقولوا لهم في جزيرة العرب {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم:٧٣]؟! ها نحن الآن وقد ذهب المال وضاع السلطان، ورحلت الدنيا، ولم يبق إلا العمل الصالح في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٩] {إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم:٨٧].

وحق لنا -نحن الموحدين- أن نفخر، وأن نسعد، وأن نشكر الله جل وعلا، وأن ننادي على هؤلاء المجرمين ونقول لهم: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم:٧٣].

قال الله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم:٨٥] هكذا يحشر الله المتقين: وفداً، يركبون على نجائب من نور، وهي من مراكب الدار الآخرة، انظروا معي أيها الأحباب إلى هذا الوفد المهيب الجليل، إنه وفد الموحدين! إنه وفد المتقين! إنه وفد المؤمنين! إنه وفد عجيب! إنه وفد مهيب! إنه وفد جليل! إن وجوههم نور، وإنهم ليركبون على مراكب من نور، فإلى أين يتجه هذا الوفد المنير؟! إنه وفد قادم على العلي القدير، إنهم قادمون على الله العلي الأعلى جل وعلا، إنهم قادمون إلى خير موفود عليه، إلى دار كرامته ورضوانه، ولقد ورد في مسند الإمام أحمد وساق سنده إلى أن قال: حدثنا النعمان بن سعد قال: (كنا جلوساً عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقرأ علي هذه الآية: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم:٨٥] فقال علي رضي الله عنه: لا والله ما على أرجلهم يحشرون؛ لأن الوفد لا يحشر إلا راكباً، يحشر الله المتقين، فيركبون على نوق من الجنة، لم ير الخلائق مثلها، عليها رحائل الذهب، فيركب المتقون عليها حتى يصلوا بها إلى أبواب الجنة) {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم:٨٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>