أيها المسلمون! حذر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة من عاقبة الظلم يوم القيامة، فأمر الظالمين أن يتحللوا من المظالم في الدنيا قبل الآخرة.
ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها اليوم، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، -أي: يوم القيامة بين يدي الله- من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه).
يا عباد الله! قد يستطيع الظالم الآن أن يفلت بطريق أو بآخر، ولكن الظالم لن يفلت يوم القيامة، فمحال أن يدخل أحد الجنة وعنده مظلمة لأحد، فلابد أن يطهر الله أهل الظلم حتى ولو كانوا من أهل التوحيد والإيمان، كما سنرى في آخر عناصر هذا اللقاء بإذن الله جل وعلا، لا يدخل الجنة أحد وعنده مظلمة -ولو قلَّتْ- لأحد إلا إذا طهره الله منها بين يديه جل وعلا، في أرض الموقف، في ساحة الحساب، على بساط العدل بين يدي الرب جل وعلا.
من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها اليوم: اذهب إلى أخيك إن كنت ظلمته بأخذ مال أو بغيبة أو بنميمة أو بانتهاك عرض، أو بإحراج أو بإساءة جوار، أو بغش في بيع وشراء أو بأي صورة من صور الظلم، اذهب إليه الآن واطلب منه العفو والسماح قبل أن تقفا بين يدي العدل جل وعلا.
وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه -كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - فقال:(أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع)، هذا هو مفهومنا للإفلاس، ولكن الإفلاس الحقيقي أكبر وأضخم وأخطر.
(أتدرون من المفلس؟ قال الصحابة: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع) رجل فقير لا يملك مالاً ولا متاعاًَ ولا أثاثاً، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم:(إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ولكنه يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأكل مال هذا، وقذف هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئات من ظلمهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار).
فهو بنص الحديث:(صلى)، وبنص الحديث:(زكى)، وبنص الحديث:(صام)، ومع ذلك يدخل النار، -والحديث في صحيح مسلم - لماذا؟! لأنه ما أمسك لسانه، وما كف يده، واستغل جاهه وكرسيه ومنصبه في ظلم عباد الله، وفي إحراج خلق الله، وفي إهانة الضعفاء والمستضعفين.