[الساعة آتية لا ريب فيها]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته.
وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباء الأعزاء، وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعني وإياكم في هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعني وإياكم في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! في رحاب الدار الآخرة.
هذه سلسلة علمية تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي، تبدأ بالموت وتنتهي بالجنة، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها.
وهذا هو لقاؤنا الثالث من لقاءات هذه السلسلة المباركة، وكنا قد أنهينا الحديث في اللقاء الأول، وتكلمنا عن الجنازة وهي في طريقها إلى القبر تتكلم، ثم توقفنا مع الجنازة وقد أغلق عليها القبر ليعيش صاحبها في نعيم مقيم، أو في عذاب أليم إلى قيام الساعة، وكان من الحكمة والمنطق قبل أن أتكلم عن مراحل الساعة أن أتحدث عن علامات الساعة الصغرى والكبرى، ولذا فإن حديثنا اليوم مع حضراتكم عن العلامات الصغرى بين يدي الساعة، وكعادتنا سوف ينتظم حديثنا اليوم مع حضراتكم في العلامات الصغرى في العناصر التالية: أولاً: الساعة آتية لا ريب فيها.
ثانياً: العلامات الصغرى التي وقعت وانقضت.
ثالثاً: العلامات الصغرى التي وقعت ولم تنقضِ.
رابعاً: العلامات الصغرى التي لم تقع بعد.
فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب! والله أسأل أن يجعلني وإياكم جميعاً ممن: {يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:١٨].
أولاً: الساعة آتية لا ريب فيها: أحبتي في الله! قد يقول حبيب من أحبابنا معقباً على موضوعات هذه السلسلة: إنكم تهربون من الواقع الذي تعيشون فيه إلى عالم تحلمون أن تعيشوا فيه، وكان من الأولى أن تهتموا بأمور المسلمين وجراحاتهم وآلامهم.
وبدايةً فأنا أقدر هذا الشعور النبيل لكل مسلم غيور لا يعيش من أجل الشهوات الرخيصة والنزوات الحقيرة، بل يحترق قلبه على واقع أمته المكلومة الجريحة، وأبشره بأننا -ولله الحمد والمنة- قد تحدثنا في عشرات الأشرطة عن واقع المسلمين المر الأليم، وشخصنا الداء بدقة وأمانة، وحددنا كذلك الدواء من كتاب ربنا وسنة الحبيب نبينا صلى الله عليه وسلم، فليرجع إلى هذه الأشرطة من شاء من الأحبة الكرام، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه ينبغي أن نعلم يقيناً -أيها الأحباب! - أن الحديث عن اليوم الآخر ليس من باب الترف الذهني والعلمي، ولا من باب الثقافة الذهنية الباردة التي لا تتعامل إلا مع العقول فحسب، بل إن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان بالله جل وعلا، ولا يصح إيمان العبد أصلاً وابتداءً إلا به، كما في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب وفيه: (أن جبريل عليه السلام سأل الحبيب المصطفى: ما الإيمان؟ فقال الحبيب: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره).
فالإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان بالله، ولا يمكن أن يستقر الإيمان باليوم الآخر في قلب عبد من العباد إلا إذا وقف على حقيقة هذا اليوم وعرف أحواله وكروبه وأهواله.
ومن ناحية ثالثة: إذا استقرت حقيقة الإيمان باليوم الآخر في قلب عبد صادق، دفعه هذا العلم بهذا اليوم إلى الاستقامة على منهج الله وعلى طريق الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سيعلم يقيناً أنه سيقف غداً بين يدي الله جل وعلا؛ ليكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، ويقول له الملك: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:١٤].
فالهدف من هذه السلسلة إيقاظ المسلمين من غفلتهم ورقدتهم، وتذكيرهم للاستيقاظ من هذه الغفلة والرقدة الطويلة، وحثهم على التوبة والإنابة إلى الله جل وعلا، قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.