جاء في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:(إن من أشراط الساعة أن يتقارب الزمان، وينقص العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟! قال: القتل).
وكأن الله قد كشف الحجب لحبيبه المصطفى فهو يحدد واقع البشرية في قرنها العشرين:(إن من أشراط الساعة أن يتقارب الزمان)، نعم، فقد تقارب الزمان، بل لقد ورد في سنن الترمذي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يتقارب الزمان بين يدي الساعة فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كاحتراق السعفة) أي: كاحتراق جريدة من النخيل.
والآن قد نزعت البركة من الوقت، فقد كنت بالأمس القريب تصلي الجمعة، فجاءت الجمعة بهذه السرعة، فقد نزعت البركة من الوقت.
(إن من أشراط الساعة أن يتقارب الزمان وينقص العلم) والمراد بالعلم هنا: العلم الشرعي، فلقد كثر الجهل بل قد ترى بلداً كبيراً فإذا نقبت فيه لم تجد عالماً يستفتيه الناس في أمور دينهم، فقل العلم بقلة العلماء الصادقين، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماًَ) وفي لفظ: (حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً)، وفي لفظ:(رؤساءً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
أيها الأحبة! في وقتنا الحاضر قل العلم، وتزبب كثير من الناس قبل أن يتحصرموا، وقبل أن يتعلموا، وبالغوا قبل أن يبلغوا، فقالوا في دين الله بغير علم، فضلوا أنفسهم وأضلوا غيرهم.
ومن علامات الساعة وأشراطها: أن يتقارب الزمان، وينقص العلم، وتظهر فتن كثيرة كقطع الليل المظلم، تعرض على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، والحديث رواه مسلم من حديث حذيفة قال الحبيب صلى الله عليه وسلم:(تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيُّ قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيُّ قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب إلى قلبين: قلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض).
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أصحاب هذه القلوب التقية النقية التي لا تضرها الفتن، ما دامت السماوات والأرض؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أيها الأحبة! وهكذا تظهر الفتن، ويكثر الشح، وقد ينطلق الرجل إلى حقله ليجني الحبوب والزروع والثمار، وقد منَّ الله عليه، وما فكر في أن يخرج حق الله وحق الفقراء، بل إذا ذهب إليه فقير تمعر في وجهه، بل وربما رد عليه بعنف وغلظة وقسوة، ولا يريد أن يخرج حق الله، ولا حق الفقير، مع أن الله قد أكرمه وأنعم عليه ومنَّ عليه لكنه الشح والبخل!!