[من حلف بغير الله فقد أشرك]
الرسول صلى الله عليه وسلم يأمره الله جل وعلا في هذه الآية أن يقسم بذاته، وهنا ينبغي أن أذكر أحبابي وإخواني بأن الله جل وعلا، إن كان يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يقسم إن كان مقسماً بالله جل وعلا، أفيحل لنا نحن إذا أردنا أن نقسم وأن نحلف بغير الله جل وعلا؟ كلا والله، فمن كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله: (من حلف بغير الله فقد أشرك).
أيها الحبيب والكريم! أعلمُ يقيناً أنك تحب الحبيب المصطفى، ولكن حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمرك ويجب عليك أن تُذعن لأمره وتطيع، يأمرك الحبيب ألا تقسم به، أي لا تقل: والنبي، ولا والولي، ولا وحياة أولادي، ولا وحياة زوجتي، ولا كذا ولا كذا، وإنما يعلمك حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم إن كنت حالفاً ومقسماً أن تحلف بالله جل وعلا، لأنه لا يجوز لك البتة أن تحلف إلا بالله تبارك وتعالى: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) (من حلف بغير الله فقد أشرك).
فلا تقل أيها الحبيب: والنبي كذا، كلا، هذا لا يصح ولا يجوز.
وأيضاً: إن تعرضنا لهذه الجزئية فأذكرك -أيها الحبيب في الله- وأقول لك: كن على يقينٍ بأن الأمر كله لله جل وعلا، وبأن الضر والنفع بيد الله جل وعلا، فإن كان لا يصح لك أن تحلف إلا بالله؛ فإنه لا يصح لك بحالٍ أن تسأل غير الله، إياك أن تسأل نبياً ولو كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإياك أن تسأل ولياً، إن كان لا يصح لك أن تسأل الحبيب محمداً، فهل يصح لك أن تسأل من دونه ولياً؟ كلا والله؛ لأنه لا يملك لك الضر والنفع إلا ملك الملوك وجبار السماوات والأرض كما ورد في حديث ابن عباس الذي رواه الترمذي وأحمد بسندٍ صحيحٍ، أنه قال: (يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت) اسأل من النبي أو الولي، اسأل مَن يا أحباب؟! الله جل وعلا، انتبه أيها الكريم (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، واعلم أنهم لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
يا صاحب الهم إن الهم منفرجٌ أبشر بخيرٍ فإن الفارج الله
إذا بليت فثق بالله وارضَ به إن الذي يكشف البلوى هو الله
الله يحدث بعد العسر ميسرةً لا تجزعنّ فإن الصانع الله
والله مالك غير الله من أحدٍ فحسبك الله في كلٍ لك الله
لا تسأل إلا الله جل وعلا؛ لأن الذي يملك الضر والنفع هو الله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:١٧].
فلا تحلف إلا بالله، ولا تسأل إلا الله، ولا تستعن إلا بالله، وانتبه -أيها الحبيب- ولا تذبح إلا لله، فمن ذبح لغير الله فقد أشرك، لا عقر في الإسلام، ولا نذر في الإسلام إلا للرحيم الرحمن.
وانتبه أيها الحبيب! إن كان ذبحك لله؛ فليكن نذرك لله، لا تنذر لنبي ولا تنذر لولي؛ لأن هذا من الشرك الذي حذرنا منه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، من حلف فليحلف بالله، ومن نذر فليكن نذره لله، ومن ذبح فليكن ذبحه لله، ومن طاف فليكن طوافه ببيت الله، إياك أن تطوف بغير بيت الله، لا تطف بقبر محمد صلى الله عليه وسلم ولا بقبر غيره من الأولياء والصالحين، وإنما فليكن طوافك ببيت رب العالمين، كما أمرك ربك جل وعلا، بقوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٢٩] فقط واللام للأمر.
هذه هي العبادة الصافية: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].
أيها الحبيب! لا تظن أن محبتك للنبي صلى الله عليه وسلم هي أن تسأل رسول الله، أو أن تطلب من رسول الله، أو أن تستغيث برسول الله، أو أن تلجأ إلى رسول الله، كلا.
لا تقل ما قاله من قبل هؤلاء:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العممِ
وإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
فأين الله؟ أين الله جل وعلا؟! الذي يجب أن يسأل، وأن يستغاث به وحده، وأن يسأل وحده، وأن يستعان به وحده، وأن يتوكل عليه وحده، وأن يفوض إليه الأمر وحده، وأن يذبح إليه وحده، وأن ينذر إليه وحده، وأن يستعان به وحده، وأن يستغاث به وحده، وأن تصرف العبادة كلها لله جل وعلا وحده.
{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧] بلى وربي، يأمر الله نبيه أن يقسم به، فيجب عليّ وعليك أن أقسم بربي جل وعلا، لا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بالولي.
{قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧] وبالرغم من ذلك كذب الذين كفروا ربنا جل وعلا، وسخر الكافرون من قول نبينا صلى الله عليه وسلم، فقالوا كما قال الله عنهم في سورة الإسراء: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} [الإسراء:٤٩] قل: يا محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً * يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:٥٠ - ٥٢] كونوا ما شئتم سيبعثكم الذي خلقكم أول مرة.