[إقدام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الشفاعة العظمى]
يقول عيسى عليه السلام:(اذهبوا إلى محمد بن عبد الله ولم يذكر عيسى صلى الله عليه وسلم ذنباً من الذنوب، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: فيأتونني فيقولون: يا رسول الله! لقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ألا ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! اشفع لنا إلى ربك، فيقوم المصطفى ويقول: نعم، أنا لها أنا لها)، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
يقول:(فأقوم فأخر ساجداً لربي تحت العرش، فينادي عليه الملك جل جلاله، ويقول: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تُشفّع، فيقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: يا رب! أمتي، يا رب! أمتي، يا رب! أمتي).
هو الحليم الأواه صاحب القلب الكبير هو الحليم الأواه صاحب القلب الرحيم الذي قال الله في حقه:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:١٢٨]، وقد (قرأ يوماً قول الله في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[إبراهيم:٣٦]، وقرأ قول الله في عيسى:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة:١١٨] فبكى وقال: يا رب! أمتي، أمتي، فأنزل الله إليه جبريل عليه السلام، وقال: يا جبريل! سل محمداً ما الذي يبكيه -وهو أعلم- فنزل جبريل فقال: ما يبكيك يا رسول الله؟! قال: أمتي أمتي يا جبريل! فصعد جبريل إلى الملك الجليل، وقال: يبكي على أمته -والله أعلم- فقال الله لجبريل: انزل إلى محمد وقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك)، فيقول هنا: يا رب! أمتي، يا رب! أمتي، يا رب! أمتي.
وفي حديث الصور الطويل، الذي رواه الطبري والطبراني والبيهقي وأبو يعلى الموصلي، والسيوطي واستشهد به ابن أبي العز الحنفي -وللأمانة العلمية التي عاهدنا الله عليها فإن الحديث بطوله ضعيف، ففيه إسماعيل بن رافع وهو ضعيف كما قال أهل الجرح والتعديل، وفيه محمد بن زياد وهو مجهول- ولكن فيه ما يتفق مع سياق حديث أبي هريرة الذي ذكرت آنفاً، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:(فأخر ساجداً تحت العرش، فيقال لي: ما شأنك؟ -وهو أعلم- فيقول المصطفى: يا رب! وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك فاقض بينهم، فيقول الله جل وعلا: قد شفعتك، أنا آتيكم لأقضي بينكم، يقول المصطفى: فأرجع لأقف مع الناس في أرض المحشر، وتنتظر البشرية كلها مجيء الملك جل جلاله).
مجيئاً يليق بكماله وجلاله، فكل ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١] فصفة النزول، وصفة المجيء، وصفة الإتيان، وصفة الغضب، وجميع صفات الله جل وعلا، نثبتها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥] قال علماؤنا: استوى كما أخبر، وعلى الوجه الذي أراد، والمعنى الذي قال، استواء منزهاً عن الحلول والانتقال، فلا العرش وحملته ولا الكرسي يسنده، بل العرش وحمتله والكرسي وعظمته، الكل محمول بلطف قدرته مقهور بجلال قبضته، فالاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، سأل رجل إسحاق بن راهويه، وقال: يا إسحاق! كيف تؤمنون بإله يتنزل كل ليلة من عرشه إلى السماء الدنيا؟ فقال له إسحاق: يا هذا! إن كنت لا تؤمن به، فإننا نؤمن بإله يتنزل كل ليلة من عرشه إلى السماء الدنيا ولا يخلو منه عرشه، لا تعطل ولا تكيف ولا تمثل ولا تشبه جل جلال الله، جل ربنا عن الشبيه وعن المثيل وعن النظير:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، من كان منا يتصور أن النمل يتكلم! وما عرف ذلك وفهمه إلا يوم أن قرأ في القرآن:{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ}[النمل:١٨].
من منا كان يتصور أن هناك شيئاً لا يمشي على رجليه وإنما يمشي على بطنه! حتى رأينا الحية وما شاكلها، وهكذا فمن شبه الله جل وعلا فهو واهم؛ لأن الله سبحانه يقول:{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه:١١٠] جل جلال الله، لا ند له ولا كفء له ولا شبيه له ولا نظير له ولا مثيل له:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:١].