يصف الصادق المصدوق الصراط، ويزيد الصورة توضيحاً وتجسيداً كما في رواية أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم أنه قال:(ثم يضرب الجسر على جهنم -قيل: وما الجسر يا رسول الله؟ قال: دحض مزلة -أو مزلة بالفتح والكسر، واللغتان صحيحتان، أي: موطن تزل فيه الأقدام ولا تثبت، اللهم ثبت أقدامنا يوم تزل الأقدام- فيه خطاطيف وكلاليب وحسك -والخطاطيف: جمع خطاف، والكلاليب: جمع كلوب وهو الخطاف، والحسك: بفتح الحاء والسين شوك كالخطاف شديد الصلابة كالحديد- ثم يمر المؤمنون: فمنهم من يمر كالطرف -أي: مثل غمضة العين، صنف من أهل الإيمان يمر على هذا الصراط الموحش في طرفة عين إلى الجنان، اللهم اجعلنا منهم- ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطير، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل والركاب -هذه هي أصناف أهل الإيمان- فناج مسلم -هذا هو القسم الأول وهو الذي نجاه الله وسلمه، وهم من أهل الأنوار والتقى {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}[مريم:٧٢]-فناج مسلم ومخدوش مرسل- تمسه النار، لكن العزيز الغفار ينجيه، والقسم الثالث- ومكدوس في نار جهنم) أي: تخطفه الخطاطيف والكلاليب فتهوي به في جهنم والعياذ بالله.
وصف لو تدبرته فكأنك تعايشه وتراه، ولم لا والذي يبين لنا هو من آتاه الله جوامع الكلم بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم؟! أيها المسلمون! تدبروا هذا المشهد الذي يخلع القلب! أنت على الصراط! وجهنم مسودة تزفر وتزمجر تحت الصراط! والناس بين يديك: منهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالطير، ومنهم من يزحف على الصراط، ومنهم من تخطفه الخطاطيف إلى نار جهنم.
أبت نفسي تتوب فما احتيالي إذا برز العباد لذي الجلال وقاموا من قبورهم سكارى بأوزار كأمثال الجبال وقد نصب الصراط لكي يجوزوا فمنهم من يكب على الشمال ومنهم من يسير لدار عدن تلقاه العرائس بالغوالي يقول له المهيمن يا وليي غفرت لك الذنوب فلا تبالي تدبر هذه اللحظات! والله إنها لحظات تخلع القلوب! الصراط على متن النار! جرب نفسك الآن على نهر ماء، لا أقول: على نار، ولكن على ماء، اذهب إلى بركة صغيرة مدت عليها خشبة أو ماصورة، جرب نفسك لتعبر عليها كيف يكون حالك؟! وأنت تعلم أنك إن سقطت ستسقط في ماء! ولن تسقط في نار! جرب هذا المشهد؛ لتقف على هول لحظات تمر فيها على الصراط، وجهنم تحت الصراط تزفر وتزمجر غضباً منها لغضب ربها جل وعلا، ويزداد الأمر خطراً إذا رأيت الأمانة على يمين الصراط، والرحم على شمال الصراط، قبل أن تمر تقول لك الأمانة: أين الحقوق؟ وتقول لك الرحم: أين الحقوق؟ وهذا هو عنصرنا الثاني.