وما أحوج الأمة إلى هذه القيادة الفذة، فكم في الأمة من طاقات معطلة؟! وكم في الأمة من مواهب ضائعة؟! وكم في الأمة من موارد مهدرة؟! وكم في الأمة من شباب حيارى؟! كل هذه الطاقات وكل هذه المواهب وكل هذه الإمكانيات في حاجة إلى قيادات فذة فريدة لا تجامل أحداً على الإطلاق على حساب المصلحة، وهذا ما بينه لنا أيضاً ذو القرنين، عندما قال: أما من آمن فله الجزاء الأوفى، وأما من ظلم فله العذاب.
ما أحوج الأمة كذلك إلى هذا الدرس، الذي يبين لنا ذو القرنين به منهجاً في التنظيم الوظيفي والإداري، لو عملت الأمة به لسعدت!! انظر الآن إلى هذا التنظيم الذي اختل في عالمنا المعاصر: أصبح المتملقون والمنافقون هم أصحاب المكانة القريبة من المسئولين، وأصبح المخلصون العاملون الجادون، الذين لا يجيدون العزف على وتر النفاق، ولا يحسنون الضرب على أعواد المداهنة أصبحوا لا نصيب لهم في المنح بل والوظائف؛ لأن الأمة تجامل على حساب المصلحة، بل وعلى حساب منهج ربها جل وعلا.
ذو القرنين يبين لنا سمات القيادة الناجحة، فلما نظر إلى هذا الصرح العظيم لم تسكره نشوة القوة والعلم، ولم يقل: هذا هو فن الإدارة، لم يقل:{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}[القصص:٧٨].
وإنما نسب الفضل لصاحب الفضل جل وعلا، فقال:{هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي}[الكهف:٩٨].
ثم بين معتقده الصافي في الإيمان بالبعث، والإيمان بيوم القيامة، فقال لهم: إن الذي أمر ببناء هذا السد هو الله، وإن الذي أمر بقتل يأجوج ومأجوج هو الله، وإن الذي سيأذن لهم في الخروج إذا شاء هو الله، وحتماً سيأتي يوم على هذا السد المنيع؛ ليجعله الله عز وجل دكاء، أي: يسويه بالأرض كما يسوي جبال الأرض كلها بالأرض، وذلك لا يكون إلا بين يدي الساعة.
قال الله تعالى على لسان ذي القرنين:{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}[الكهف:٩٨].
هكذا يبين ذو القرنين العقيدة الصافية في الإيمان بالبعث، في الإيمان بيوم القيامة وعلاماته الكبرى، يأذن الحق تبارك وتعالى ليأجوج ومأجوج في الخروج، حينئذ يستطيعون أن يثقبوا هذا الثقب، وأن يخرجوا إذا قدر الله عز وجل الوقت المعلوم لخروجهم.