أستهل الحديث بين يدي هذا العنصر الهام بمقدمة أقتبسها من كلام أئمتنا الأعلام، وأبدأ هذه المقدمة بكلام دقيق نفيس للإمام ابن أبي العز الحنفي شارح العقيدة الطحاوية على شارحها ومصنفها الرحمة من الله جل وعلا.
يقول الإمام ابن أبي العز: اعلم أن عذابَ القبر هو عذاب البرزخ.
ووالله لو فهمت هذه العبارة لحلت جميع الإشكالات في هذه المسألة؛ إذ إن حقيقة حياة البرزخ لا يعلمها ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا بوحي من الله جل وعلا.
قال: اعلم أن عذابَ القبر هو عذاب البرزخ، وكل إنسان مات وعليه نصيب من العذاب ناله نصيبه من العذاب قُبِرَ أو لم يُقْبر، سواء أكلته السباع، أو احترق فصار رماداً في الهواء، أو نسف، أو غرق في البحر.
فكل من مات وعليه نصيبه من العذاب ناله نصيبه من العذاب قبر أو لم يقبر، وأنا أسألك -أيها المسلم الغيور-: هل تستكثر ذلك على الملك الغفور؟! المشكلة أننا حكمنا العقل القاصر في أمر غيبي، فمن الظلم إذاً أن نحكم قانون الدنيا في قانون الآخرة، أن نحكم قانون الشهادة في عالم الغيب، فأنا أسألك -أيها المسلم الغيور-: هل تستكثر ذلك على الملك الغفور؟ خذوا -يا من تحكمون العقول- هذا الدليل الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضرته الوفاة جمع بنيه، وأخذ عليهم العهود والمواثيق وقال لهم: يا بني! إذا أنا مت فحرقوني واسحقوني، فإذا كان يوم ريح عاصف فاذْرُوني)، وفي لفظ:(فاذْرُوا نصفي في البر واذْرُوا نصفي في البحر، فلئن قدر الله علي عذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين فلما مات الرجل فعل بنوه به ذلك.
فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر الله البر فجمع ما فيه، ثم قال الملك لهذا الرجل: كن.
فكان بين يديه جل وعلا -قال له: كن بشحمك ولحمك وعظامك فكان بين يدي الله جل وعلا-، فقال له الملك: عبدي! ما حملك على أن فعلت ما فعلت؟! قال العبد: خشيتك -يا رب! - وأنت تعلم، فغفر الله له).
الشاهد من الحديث أن الله أحياه وقد أحُرِق وذُرِي رماده في البر والبحر، فقال الملك: كن.
قدرة الله لا تحدها حدود، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، لكن الإشكال أننا حكمنا العقل، وقوانين الدنيا وقوانين الشهادة في أمر الآخرة وفي عالم الغيب.