للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُتِّاب اليوم وإنكارهم عذاب القبر ونعيمه

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.

اللهم! صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فحيا الله الإخوة الأحباب الأعزاء، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعني وإياهم على طاعته أن يجمعني وإياهم في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتي في الله! (في رحاب الدار الآخرة) سلسلة علمية جديدة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي، أقدمها اليوم لأذكر بها نفسي وإخواني، لا سيما ونحن نعيش الآن زماناً طغت فيه الماديات والشهوات، وانصرف فيه كثير من الناس عن طاعة رب الأرض والسماوات جل وعلا، وقد انتظمت هذه السلسلة في عشرات الأشرطة، وكان آخر هذه الأشرطة بعنوان: (صفحات سود من تاريخ يهود)، فليراجع هذه الأشرطة من شاء من الأحبة الكرام الخيار.

أيها الأحبة الكرام! في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على الأعناق، إذا كانت صالحة قالت: قدموني قدموني وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها إلى أين تذهبون بها؟ -قال المصطفى-: يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق).

فها نحن قد وصلنا مع الجنازة إلى القبر، فقف معي الآن عند القبر وأهواله وفتنة القبر وأحواله، أسأل الله جل وعلا أن يحفظنا وإياكم من فتنه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وسوف ينتظم حديثنا في هذه العناصر التالية: أولاً: الأدلة على عذاب القبر ونعيمه.

ثانياً: أسباب عذاب القبر.

وأخيراً: السبيل للنجاة من عذاب القبر.

فأعرني قلبك أيها الحبيب الكريم؛ فإننا اليوم في مسيس الحاجة لهذا الموضوع، لاسيما وقد دُفع إلي مقالٌ لأستاذ دكتور على صفحة سوداء من صفحات جرائدنا الغراء، عنوان هذا المقال (عذاب القبر مجرد خرافات وخزعبلات)! هكذا يعنون لمقاله فضيلة الأستاذ الدكتور (عذاب القبر مجرد خرافات وخزعبلات)، ثم يتطاول هذا الأستاذ الدكتور الجريء فيقول: إن جميع الأحاديث التي وردت في مسألة عذاب القبر مجرد خرافات.

ثم أظهر الدكتور جهله الفاضح فقال: لأن عذاب القبر غيب، والقرآن بَيَّن لنا أن النبي لا يعلم الغيب! قمة الجهل، وجهل مركب.

فمعنى ذلك -يا فضيلة الدكتور- أنه ينبغي أن ننكر ونكذب بكل أمر غيبي أخبرنا به النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، كالإيمان بالله، وكالإيمان بالملائكة، وكالإيمان باليوم الآخر، وسائر الغيبيات التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونسي هذا المسكين قول رب العالمين، في حق سيد النبيين: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:٣ - ٥].

وتمنيت أن لو راجع فضيلة الدكتور أول الآيات في سورة البقرة ليقرأ من جديد قول الله جل وعلا: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:١ - ٣].

فأول صفة من صفات المتقين: أنهم يؤمنون بالغيب.

وخرج علينا أستاذ آخر بكتاب ضخم يزيد على ثلاثمائة صفحة، ينفي فيه من أول صفحة إلى آخر صفحة عذاب القبر ونعيمه، وقد قام بلي أعناق النصوص لياً عجيباً، وهأنذا اليوم أرد على هؤلاء المتطاولين المكذبين المنكرين، الذين قال عنهم الإمام القرطبي والإمام الحافظ ابن حجر قالا: لم ينكر عذاب القبر إلا الملاحدة، والزنادقة، والخوارج، وبعض المعتزلة، ومن تمذهب بمذهب الفلاسفة، وخالفهم جميع أهل السنة.

وقال الإمام أحمد: عذاب القبر حق، ومن أنكره فهو ضال مضل.

فكل ما جاءنا عن النبي بسند جيد قبلناه، وإلا فلو رددناه لرددنا أمر الله جل وعلا، كما قال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:٧] فانتبه معي جيداً أيها الحبيب، وسأسوق لك الآن سيلاً من الأدلة الصحيحة على عذاب القبر من كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، ولن أطيل الوقفة مع القرآن؛ لأن القرآن حمَّال أوجه، كما قال علي بن أبي طالب لـ ابن عباس وهو في طريقه لمناظرة الخوارج.

قال علي: (يا ابن عباس! جادلهم بالسنة ولا تجادلهم بالقرآن؛ فإن القران حمَّال أوجه).

<<  <  ج: ص:  >  >>