[حديث البراء الطويل في بيان عذاب القبر ونعيمه]
وهنا حديث عمدة وأصل من الأصول في هذا الباب رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في سننه، والنسائي في سننه، وأبو داود في سننه، ورواه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين، وأقره الإمام الذهبي، وصحح الحديث الإمام ابن القيم في (تهذيب السنن) و (إعلام الموقعين)، وأطال النفس في الرد على من أعل هذا الحديث، وصحح هذا الحديث الشيخ الألباني وغيره من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فلما انتهينا إلى القبر جلس النبي على شفير القبر -أي: على حافة القبر- وجلسنا حوله وكأن على رءوسنا الطير، وفى يد النبي عود -وانظر إلى دقة الوصف من البراء - ينكت به في الأرض -يضرب به الأرض-، ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ونظر إلى أصحابه وقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر! استعيذوا بالله من عذاب القبر! استعيذوا بالله من عذاب القبر! قالها النبي مرتين أو ثلاثاً، ثم التفت النبي إليهم وقال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزلت إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، فيجلسون منه مد البصر، فيأتي ملك الموت فيجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة! أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج روحه فتسيل كما تسيل القطرة من في السِّقَاء، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يضعوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على ظهر الأرض، فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: روح من هذه الروح الطيبة؟ فيقولون روح فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى إذا انتهوا إلى الله في السماء السابعة قال الله جل وعلا: اكتبوا كتاب عبدي في عليين -اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين، ثم أعيدوها إلى الأرض، فمنها خلقناهم وفيها نعيدهم ومنها نخرجهم تارة أخرى يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، -عاش لها وعليها-، وما دينك؟ فيقول: الإسلام فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له: وما علمك -أي: ما الذي علمك هذا-؟ فيقول: قرأت كتاب الله وصدقت بما فيه فينادي مناد أن: صدق عبدي، فألبسوه من الجنة، وافرشوا له فراشاً من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة.
ويأتيه رجل أبيض الوجه حسن طيب الريح، فيقول له: أبشر.
هذا يومك الذي كنت توعد فيقول صاحب القبر لصاحب هذا الوجه المنير: من أنت لا يأتي وجهك هذا إلا بخير؟ فيقول له: أنا عملك الصالح.
-يقول له: أنا توحيدك، أنا صلاتك، أنا صيامك، أنا زكاتك، أنا حجك، أنا أمرك بالمعروف، أنا نهيك عن المنكر، أنا برك بوالديك، أنا صدقتك- فيقول: رب أقم الساعة.
رب أقم الساعة؛ حتى أرجع إلى أهلي ومالي.
وإذا كان العبد الكافر في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم مسوح -والمسوح ليف من النار- فيجلسون منه، حتى إذا جاء ملك الموت فجلس عند رأسه، فإذا ما انتهى الأجل نادى على روحه وقال: أيتها الروح الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وعذاب، فتنتزع كما ينتزع السفود -أي: الشوك الصلب- من الصوف المبلول، فلا تدعها الملائكة في يده طرفة عين، وتلفها في هذه المسوح من النار، وتنبعث منها رائحة كأنتن ريح جيفة على ظهر الأرض، فإذا ما أرادت الملائكة أن تصعد بها إلى السماء لا تفتح لهذه الروح أبواب السماء، وقرأ النبي قول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:٤٠]، ثم ينادي الملك جل وعلا: اكتبوا كتاب عبدي في سجين، ثم أعيدوها إلى الأرض، فمنها خلقناهم وفيها نعيدهم ومنها نخرجهم تارة أخرى.
ويأتيه ملكان فيجلسانه في قبره فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدرى).
لا يعرف رباً، ولا يعرف إلهاً، عاش على الكفر في الدنيا، عاش على الشهوات، عاش على النزوات، وما امتثل أمر الله، وما امتثل أمر رسول الله، سمع الأذان يقول: (حي على الصلاة) ولا زال قابعاً أمام المباريات وأمام المسلسلات وأمام الأفلام، أما آن لك أن تهتدي عبد الله؟ {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد:١٦] ما الذي جنيناه من هذا التلفاز؟! ما الذي جنيناه من المسلسلات والمباريات والأفلام؟! لقد سمعنا بآذاننا لاعبي الكرة الذين يرفعون الآن على الأعناق، سمعنا منهم وسمعتم -يا من تتابعون المباريات- من يسب دين الله جل وعلا، هؤلاء الذين يكرمون، هؤلاء الذين يرفعون، يكرمون على أعلى المستويات، على مستوى رئيس الدولة، أمة عشقت الهزل وكرهت الجد، أمة عشقت الهزل يوم أن كرهت الجد، وتعبت عن أن تواصل الجد على طريق الجادين الصادقين، كرة، ومسلسلات، وأفلام، ومسرحيات، وبرامج تدمر الفضيلة وتؤصل الرذيلة، وها أنتم ترون اليهود الآن يتلاعبون بالعالم، لا بالعالم الإسلامي، بل بالعالم الغربي والشرقي، وها هو وزير خارجيتنا يصرح بمنتهى الوضوح ويقول: إنني أحذر إسرائيل من المواجهة العسكرية من جديد في المنطقة.
وهذا التحذير الجديد يُعلِن بمنتهى الوضوح عن هوية اليهودية.
هذا الواقع، والله لو جد الجد لم يفر من الميدان إلا من يرفعون اليوم على الأعناق، ولم يثبت في الميدان إلا من تصب الأمة عليهم الآن جام غضبها من الشباب الطاهر الذي وحد الله جل وعلا وامتثل سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أيها الحبيب يقول النبي صلى الله عليه وسلم في وصف حال الكافر: (فيقال له: من ربك؟ ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدرى -لا يعرف ديناً، ولا عاش للدين ولا على الدين- فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعِثَ فيكم؟ فيقول: هاه هاه.
لا أدري، -فلا يعرف رسولاً، ولا يعرف نبيناً، وما عاش لهذا، هو في غنى عن كل هذا- فينادي منادٍ أن: كذب عبدي، فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار فيأتيه من ريحها وسمومها، ويأتيه رجل قبيح الوجه نتن الريح، فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي لا يجيء بخير؟ فيقول له: أنا عملك السيئ، وهذا يومك الذي كنت توعد فيقول: رب: لا تقم الساعة.
رب: لا تقم الساعة!!).
أيها الأحبة! أظن أن في هذه الأدلة كفاية لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.