ومن أسمى المواقف في التوكل على الله: موقف أم موسى، فهذه مواقف نساء يعلمن الرجال! هل تظنون يا إخوة أن أماً تخشى على ولدها فتلقيه في البحر؟ إن الأم إن خافت على ولدها ألصقته بصدرها وأرضعته، وأضفت عليه من حنانها وشفقتها ورحمتها ما تعلمون، ولكن أم موسى يأمرها الله إن خافت عليه أن تلقيه في اليم، قال الله:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:٧].
فرعون اللعين يذبح الأطفال ويستحيي النساء ويقتل الرجال، بل ورفع الطوارئ إلى الدرجة القصوى، فإنه يبحث عن غلام من بني إسرائيل ينشأ فيهم يكون هلاك فرعون على يديه، فيبحث عن كل طفل ذكر ليقتله في التو واللحظة.
كم من الآلاف قتلهم فرعون من الرجال بل ومن الأطفال! ولكن الملك جل جلاله قد أذن سبحانه وتعالى بأن موسى لن يترعرع ولن يتربى إلا في حجر فرعون وفي قصره.
أيها الأحبة! تعلموا هذا الدرس لتعلموا أن الملك كله بيد الملك، يعز من يشاء ويذل من يشاء، فالأمور كلها بيد الله، الأمة الآن تضع الخطط السنوية والخمسية ولا تضع ضمن خطة واحدة أبداً عظمة وقوة رب البرية أمة غافلة عن عظمة الله وجلاله أمة لا تعرف قدر الله إلا من رحم ربك من أفرادها!! الله سبحانه وتعالى يأذن ويقدر ألا يربي موسى إلا فرعون فسبحان الله! تضع أم موسى موسى في التابوت، ويتهادى التابوت بحفظ الله إلى أن يصل إلى قصر فرعون، وبستار رقيق جداً يحمي الله نبيه موسى، لا بالجنود ولا بالطائرات ولا بالدبابات، بل بستار رقيق جداً قد لا يتصوره البعض، ألا وهو أن الله قد ألقى في قلب امرأة فرعون حب موسى، فتشبثت به، وقالت: قرة عين لي ولك، فأذعن فرعون لامرأته وهو الذي يذبح كل طفل، ولكن الله قد ألقى المحبة لموسى في قلب امرأته لتتولى هي وفرعون تربية هذا الطفل الكريم المبارك، بل لم يقف الفضل عند هذا الحد كثمرة من ثمرات توكل أم موسى، بل أذن الله ألا يقبل موسى ثدي امرأة أبداً، لأن الله قد وعد أم موسى لثقتها في ربها ولعظيم توكلها عليه أن يرده إليها، فأبى موسى أن يلتقم ثدي امرأة أخرى إلى أن جاءت أمه عليها السلام فالتقم موسى ثديها، وكانت ترضعه قبل أيام على خوف من فرعون وملئه، وهي الآن ترضعه في قصر فرعون بأمره، فتدبر! ترضعه الآن في قصر فرعون بأمر فرعون:{إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:٧] والهدية إن جاءت من الملك تأتي مضمخة بطيبه وفضله وجلاله، فلم يرد ربنا موسى إلى أمه، بل شرفه بالنبوة:{إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:٧].
أيها الأحبة! إنه موقف يحتاج منا إلى وقفات لنتعلم ولنتذوق حلاوة التوكل على رب الأرض والسماوات، أسأل الله أن يملأ قلوبنا بالتوكل عليه والثقة فيه، إنه ولي ذلك ومولاه.