أما الشفاعة الثانية: فهي شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في استفتاح باب الجنة، والحديث في صحيح البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أنا أول الناس شفاعة في الجنة يوم القيامة) أي: أنا أول من يشفع عند الله في أن يفتح الله باب الجنة يوم القيامة، ولقد ورد في صحيح البخاري ومسلم أيضاً من حديث أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته في الدنيا، إلا أنا فإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، وإنها نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً).
وقد ورد في صحيح البخاري ومسلم أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول المؤمنون: من يشفع لنا عند ربنا؛ ليفتح الله لنا باب الجنة؟ -هذا قول المؤمنين- فيذهب المؤمنون إلى آدم، ويقولون له: يا أبانا! اشفع لنا عند ربك، فاستفتح لنا باب الجنة، فيقول آدم: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم؟! لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى غيري، فيذهب الناس إلى نوح، فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم إلى إبراهيم، فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم إلى موسى، فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم إلى عيسى، فيقول لست بصاحب ذلك، ثم إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم، فيقوم الحبيب إلى باب الجنة فيستأذن فيقول له خازن الجنة: من؟ فيقول: محمد بن عبد الله) وهذا أكبر دليل على أنه لا يعلم الغيب إلا الله، {لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[البقرة:٣٢](فيستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فيقول خازن الجنة: من؟ فيقول: محمد بن عبد الله، ويرد خازن الجنة ويقول: أمرت ألا أفتح الجنة لأحد قبلك يا رسول الله).
أول من يحرك حلق باب الجنة هو الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم، ولقد ورد في الحديث الصحيح الذي خرجه الإمام الترمذي، وعلق عليه صاحب (معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في علم التوحيد) وقال: إن هذا الحديث معناه صحيح وثابت في الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة، والحديث مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(جلس بعض الصحابة رضي الله عنهم يتذاكرون في تفاضل الأنبياء، فقال أحدهم: هل هناك بأعجب من أن يتخذ الله من خلقه خليلاً؟! فقال آخر: لقد اصطفى الله آدم على البشرية، فقال آخر: لقد كلم الله موسى تكليماً، فقال آخر: عيسى روح الله وكلمته، فخرج عليهم رسول الله صلى عليه وسلم وقال لهم: لقد استمعت إلى كلامكم وعجبكم، ألا إن إبراهيم خليل الرحمن وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله على البشرية وهو كذلك، وموسى كليم الله وهو كذلك، وعيسى روح الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر -إنه التواضع-، وأنا أول شافع ومشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق باب الجنة فيدخلنيها ربي ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر) هذه هي الشفاعة الثانية، شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أن يفتح الله جل وعلا للمؤمنين باب الجنة.