للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:

[عيسى بن مريم والدعاء المستجاب]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

وأخيراً: عيسى بن مريم والدعاء المستجاب.

تفتن الأرض هكذا كما رأينا بيأجوج ومأجوج وبالدجال، فيُنزل الله تبارك وتعالى عيسى بن مريم عليه السلام، كما في حديث النَّواس بن سمعان الذي رواه مسلم وفيه قال المصطفى: (فبينما هو كذلك -أي: الدجال- إذ أنزل الله عز وجل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، ينزل عيسى بين مهرودتين (أى: بين ثوبين مصبوغين) واضعاً كَفَّيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفع رأسه تحدَّر منه جمان كحبات اللؤلؤ -أي: تقطر منه الماء كحبات اللؤلؤ الأبيض- فيطلب عيسى بن مريم الدجال حتى يدركه عند باب لُدّ -وهي مدينة بفلسطين- فيقتل عيسى بن مريم الدجال عليه لعنة الله، فبينما هم كذلك إذ بعيسى بن مريم يأتي قوماً نجاهم الله من الدجال، فيمسح عيسى بن مريم على رءوسهم ووجوههم، ويبشرهم بدرجاتهم -يبشر نبي الله عيسى هؤلاء القوم من أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بدرجاتهم في الجنة- يقول المصطفى: فبينما هم كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى أني قد أرسلت أو أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم -أي: لا طاقة ولا قدرة لأحد بقتالهم- فيبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) أي: ينتشرون ويغطون من فوق المرتفعات والجبال، والحدب هو: المكان المرتفع.

وهم من كل حدب ينسلون على وجه الأرض، ثم يأمر الله تعالى عيسى أن يحرز عباده إلى الطور؛ لأنه لا طاقة لأحد بقتالهم كما قال الله، فيأخذ نبي الله عيسى من آمن ومن وحد الله إلى جبل الطور، ويتحصن نبي الله عيسى مع أصحابه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويحشر نبي الله عيسى وأصحابه، ثم يرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، ويتضرعون إلى الله عز وجل أن يهلك يأجوج ومأجوج؛ لأنه لا يستطيع أن يهلكهم إلا الملك) فيستجيب الله دعاء عيسى وأصحابه وأمة النبي محمد، فيرسل الله على يأجوج ومأجوج النغف في رقابهم) والنغف: هو الدود الصغير، وتدبر قدرة الملك، تدبر عظمة الملك، والله ما أحوج الأمة إلى أن تمتلئ قلوبها يقيناً بقدرة الملك جل جلاله، ما أحوجنا إلى أن نتعرف على عظمة الله وعلى جلال الله، وعلى قوة الله فإن الله إذا أراد للشيء أن يكون قال له: كن، فيكون، فيهلكهم الحق جل وعلا، يقول المصطفى: (فيصبحون فرسى -أي: قتلى- كموت نفس واحدة)، وفي رواية: يطلبون من واحد من هؤلاء المتحصنين الخائفين أن يخرج، وأن يبذل نفسه؛ ليرى ماذا صنع يأجوج ومأجوج في الأرض، فيخرج وهو مستعد للقتل والهلاك، فيرى هذه الكرامة، ويرى هذه المعجزة والآية، فيرجع لنبي الله عيسى، وينادي عليه وعلى أصحابه: أبشروا لقد أهلك الله يأجوج ومأجوج.

يقول المصطفى: (ثم يهبط نبي الله عيسى مع أصحابه فلا يجدون شبراً في الأرض أو موضعاً في الأرض إلا وقد ملأه زهمهم ونتنهم -الزهم: الدهن والشحم-، فلا يقوى الناس على هذه الرائحة الكريهة النتنة!! فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله أن يطهر الأرض من هذا النتن، يقول المصطفى: فيرسل الله عز وجل عليهم طيراً).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص: