للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خروج الدابة]

ما أحدثكم به الآن من هذه العلامات هو ما صح عن الصادق صلى الله عليه وسلم، أما ما عدا ذلك فلن تجد إلا ضعيفاً وموضوعاً.

العلامة الخامسة من علامات الساعة الكبرى خروج الدابة.

ما هي الدابة؟ قال جل وعلا في سورة النمل: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل:٨٢].

يا إلهي! دابة تتكلم!! دابة تنطق!! وتكلم الناس كلاماً مفهوماً واضحاً! بل وتقيم عليهم الحجة، وتذكرهم بأنهم كانوا لا يوقنون بآيات الله! وكانوا لا يصدقون بآيات الله جل وعلا! قال المصطفى صلى الله عليه وسلم -والحديث رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو -: (أول أشراط الساعة: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى -أي: في نفس اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب- فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً).

يعني: لو خرجت الدابة فسوف تطلع الشمس من مغربها في نفس الوقت، وإن أشرقت الشمس من مغربها، فسوف تخرج الدابة في نفس اليوم، (أيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً).

الدابة أمر عجيب لو تدبرته كاد قلبك أن ينخلع! دابة تخرج وتجوب الأرض كلها، تفرق هذه الدابة بين المؤمن والكافر! وتعلِّم المؤمن بعلامة، وتعلِّم الكافر بعلامة، تسم الكافر على أنفه فيسود وجهه! وتسم المؤمن فيضيء وجهه كأنه كوكب دري، أمر عجب!! ورد في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده وصححه شيخنا الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم) (تسم الناس): أي: تعلِّم الناس.

على الخراطيم: أي: على الأنوف.

تسم الدابة أنف كل واحد على ظهر الأرض.

وخذ هذا الحديث العجب الذي رواه أحمد في المسند والترمذي في السنن، وللأمانة العلمية التي اتفقنا عليها فإن الشيخ الألباني -حفظه الله- قد ضعف إسناد الحديث، ومدار الحديث على علي بن زيد بن جدعان، قال الألباني: فيه ضعف، إلا أن العلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى قد صحح إسناد الحديث وقال: علي بن زيد بن جدعان مختلف فيه، والراجح عندنا توثيقه؛ لذا صحح العلامة أحمد شاكر إسناد هذا الحديث، وقال الإمام الترمذي: حديث حسن؛ قال صلى الله عليه وسلم: (تخرج الدابة ومعها عصى موسى وخاتم سليمان، فتسم الدابة أنف الكافر -أي: تعلم الدابة أنف الكافر- وتجلو وجه المؤمن -أي: ويضيء وجه المؤمن- كأنه كوكب دري، حتى أن أهل الخوان الواحد -أي: المائدة- يجتمعون على طعامهم فيقول هذا: يا مؤمن! ويقول هذا: يا كافر!).

لأن الدابة بينت وأوضحت الحقيقة، وميزت المؤمنين من الكفار.

وقد غالى بعض الناس في وصف الدابة، وأعطوا لخيالهم العنان، فوصفوا الدابة وصفاً درامياً خيالياً عجيباً، فمنهم من قال: رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، وقوائمها قوائم بعير إلى آخر هذا الوصف الدرامي، الذي لا يصلح إلا أن يكون في فلم لواحد من هؤلاء الكذابين، ولا يجوز لأحد يحترم عقله ويحترم نفسه أن يعطي لخياله العنان ليصف الدابة بهذه الأوصاف، إذ إن أمور الغيب -ومنها: الدابة- لا يجوز لأحد البتة أن يتكلم فيها بكلمة إلا بدليل صحيح عن الصادق الذي لا ينطق عن الهوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>