في يوم من الأيام خلت مريم بنفسها لقضاء شأن من شئون العذراء الخاصة، وفجأة انحبس صوتها وشخص بصرها، إنها مفاجأة مذهلة تأخذ العقول! بل وتصدع الأفئدة، ما هذا؟! بشر سويٌ في خلوة العذراء البتول الطاهرة؟! وسرعان ما استغاثت بالله، ولجأت إلى الله، ونظرت إليه وقالت:{إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا}[مريم:١٨]، أي: إن كنت ممن يتقي الله وممن يخشى الله فإني أعوذ بالرحمن منك، ولم تقل: فإني أعوذ بالجبار منك، ولم تقل: فإني أعوذ بالغفار منك، وإنما استجاشت الرحمة في قلبه بذكر اسم الرحمن، فقالت: إني أعوذ بالرحمن منك، أي: ارحم ضعفي! وارحم أنوثتي! وارحم خلوتي!! وكانت المفاجأة الأخرى أن نطق هذا البشر السوي في خلوة العذراء البتول الطاهرة قائلاً لها: لا تخافي ولا تحزني، فأنا رسول من الله إليك:{إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}[مريم:١٩ - ٢٠]، فهي لا تتصور وسيلة أخرى مطلقاً للإنجاب إلا بهذه الوسيلة: أن يلتقي الرجل مع المرأة، وهي لم تتزوج بعد، ولم تفكر في الرذيلة من ناحية أخرى:{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}[مريم:٢٠].
وهنا يأتي هذا الرد الحاسم القاطع، فيقول هذا الملك والرسول الكريم:{قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا}[مريم:٢١].