للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كيفية البعث بعد الموت]

قدرة الله لا تحدها حدود، ولا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧] هين (فإذا ما أراد الله أن يبعث خلقه وعباده أمر الله جل وعلا السماء فتمطر -تمطر! تمطر ماذا؟! - تمطر ماءً كالطل -ما معنى الطل؟! الطل: ماء ثخين كمني الرجال أعزكم الله- يأمر الله السماء فتمطر ماءً كالطل) وهذا حديثٌ رواه الإمام مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ما بين النفختين -يعني نفخة الصعق، ونفخة البعث أربعون، قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوماً؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون شهراً؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنةً؟ قال: أبيت) وعلماؤنا يفسرون معنى كلمة أبيت: أي أبيت أن أسأل رسول الله عن ذلك.

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة (: ثم ينزل الله جل وعلا ماءً كالطل -أي كمني الرجال- فكل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، منه خلق ابن آدم ومنه يركب) ما هو هذا عجب الذنب؟ عجب الذنب هذا -يا إخوان- عبارة عن عظمة صغيرة جداً في آخر السلسلة الفقرية لكل إنسان خلقه الله جل وعلا، هذه العظمة لا تبلى أبداً، يدفن الإنسان في قبره ألف عام وأكثر، أو أقل، الله أعلم! وإذا ما أراد الله أن يبعث خلقه أو أن يبعث عباده يأتي الله بكل عظمة إنسان خلقه، والله أعلم بعظمة كل إنسان من لدن آدم إلى قيام الساعة، ويأتي الله بهذه العظمة التي لا تبلى أبداً، ويركب الله حولها جسد صاحبها بعدما ينزل هذا المطر من السماء، تنبت الأجساد وتحيا في القبور، إلى الوقت الذي يشاء الله جل وعلا، فيأمر الله سبحانه وتعالى إسرافيل بعد ذلك أن ينفخ في الصور، والأجساد قد اكتملت، فإذا ما نفخ إسرافيل في الصور؛ أمر الله جل وعلا الأرواح فيأتى بها فتوضع في الصور، ويقول ربنا جل وعلا كما في حديث الصور الطويل، يقول ربنا جل وعلا: (وعزتي وجلالي ليرجعن كل روحٍ إلى جسده، فتسري الأرواح في الأجساد في القبور كما يسري السم في اللديغ، وحينئذٍ يأمر الله الأرض فتتزلزل) {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة:١ - ٢] وقال الإنسان المذعور المفزوع المرعوب: ما لها؟ ما الذي جرى؟ لقد كانت الأرض ساكنة آمنة مطمئنة، ما الذي غير حالها، وبدل أمنها وأمانها ما لها؟! {وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٣ - ٨].

وهنا تتشقق الأرض، ويخرج الناس من قبورهم حفاةً عراةً غُرلا، هذا يخرج من هنا، وذاك يخرج من هناك، ويتجهون جميعاً إلى أرضٍ واحدة، إلى مكانٍ واحد، إلى هدفٍ واحد، شاخصة أبصارهم تجاه هذا المنادي الذي جاء ليقودهم إلى أرض المحشر: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} [طه:١٠٨] ونتوقف مع حضراتكم عند هذا المشهد المهيب، لنبدأ الليلة القادمة إن قدر الله لنا البقاء واللقاء مع مشهد الحشر إلى الله جل وعلا.

أسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يسترنا وإياكم في الدنيا والآخرة، وأن يجعل هذا البلد سخاءً رخاءً آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>