للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالرِّقُّ لَا يُؤَثِّرُ فِي عِصْمَةِ الدَّمِ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي قِيمَتِهِ وَإِنَّمَا الْعِصْمَةُ بِالْإِيمَانِ وَدَارِ الْإِيمَانِ وَالْعَبْدُ فِيهِ مِثْلُ الْحُرِّ وَلِذَلِكَ قُتِلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ قِصَاصًا.

وَأَوْجَبَ الرِّقُّ نَقْصًا فِي الْجِهَادِ لِمَا قُلْنَا فِي الْحَجِّ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لِلْجِهَادِ وَالْحَجِّ غَيْرُ مُسْتَثْنَاةٍ عَلَى الْوَلِيِّ

ــ

[كشف الأسرار]

يَرْتَفِعُ فِي الْعِصْمَتَيْنِ بِالْكَفَّارَةِ إنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً وَبِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ إنْ كَانَ عَمْدًا فَالرِّقُّ لَا يُؤَثِّرُ فِي عِصْمَةِ الدَّمِ مُؤْثِمَةً كَانَتْ أَوْ مُقَوِّمَةً بِالْإِسْقَاطِ وَالتَّنْقِيصِ وَإِنَّمَا فِي قِيمَةٍ أَيْ قِيمَةِ الدَّمِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ لَا يُؤَثِّرُ الرِّقُّ فِي عِصْمَةِ الدَّمِ وَقَدْ انْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ الْوَاجِبَةُ بِسَبَبِ الْعِصْمَةِ بِالرِّقِّ فَقَالَ أَثَرُهُ فِي تَنْقِيصِ الْقِيمَةِ لِمَا بَيَّنَّا لَا فِي الْعِصْمَةِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤْثِمَةَ تَثْبُتُ بِالْإِيمَانِ وَالْمُقَوِّمَةَ تَثْبُتُ بِدَارِ الْإِيمَانِ أَيْ بِالْإِحْرَازِ بِهَا وَالْعَبْدُ فِيهِ أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مِثْلُ الْحُرِّ بِلَا نُقْصَانٍ أَمَّا فِي الْإِيمَانِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ فَلِأَنَّهُ يَتِمُّ بَعْدَ وُجُودِهِ حَقِيقَةً بِمَا يُوجِبُ الْقَرَارَ فِي هَذِهِ الدَّارِ بِأَنْ أَسْلَمَ لَوْ الْتَزَمَ عَقْدَ الذِّمَّةِ وَالرِّقِّ مِمَّا يُوجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بِالرِّقِّ يَصِيرُ تَبَعًا لِلْمَوْلَى فَإِذَا كَانَ الْمَوْلَى مُحْرِزًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ يَصِيرُ الْعَبْدُ مُحْرِزًا بِهَا أَيْضًا كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِكَوْنِ الْعَبْدِ مُمَاثِلًا لِلْحُرِّ فِي الْعِصْمَةِ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ قِصَاصًا عِنْدَنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِهِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَهُوَ النَّفْسِيَّةُ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ ذَاتٍ مَوْصُوفَةٍ بِأَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ الَّتِي اخْتَصَّ بِهَا وَصَارَتْ بِهَا أَشْرَفَ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَقَدْ تَمَكَّنَ فِي الْعَبْدِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ الَّتِي تُخِلُّ بِتِلْكَ الْكَرَامَاتِ فَاخْتَلَّتْ النَّفْسِيَّةُ بِمُجَاوَزَةِ الْمَالِيَّةِ فَكَانَ الْعَبْدُ فِي مُقَابَلَةِ الْحُرِّ دُونَهُ فِي النَّفْسِيَّةِ فَالْحُرُّ نَفِيسٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْعَبْدُ نَفْسٌ وَمَالٌ فَامْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَالدَّلِيلُ فِي انْتِقَاصِ النَّفْسِيَّةِ انْتِقَاصُ الْبَدَلِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ قَتْلُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى مَعَ أَنَّهَا دُونَ الذَّكَرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَاتِ وَلِهَذَا انْتَقَصَ بَدَلُ دَمِهَا عَنْ بَدَلِ دَمِ الرَّجُلِ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلِمَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ مَعْصُومَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ لِمُسَاوَاتِهِ الْحُرَّ فِي سَبَبِ الْعِصْمَةِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى كَمَالِ الْعِصْمَةِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا وَلَوْ اخْتَلَّتْ الْعِصْمَةُ لَمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ أَصْلًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَمُجَاوَرَةُ الْمَالِيَّةِ لَا تُخِلُّ بِالنَّفْسِيَّةِ وَالْعِصْمَةِ لِأَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَتَثْبُتُ لِأَجْلِهِ الْعِصْمَةُ كَوْنُهُ مُتَحَمِّلًا أَمَانَةَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذْ التَّحَمُّلُ وَالْأَدَاءُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْبَقَاءِ وَالْبَقَاءُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْعِصْمَةِ وَهَذَا وَصْفٌ أَصْلِيٌّ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ وَمَا عَدَاهُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْعَقْلِ صِفَاتٌ زَائِدَةٌ أُثْبِتَتْ لِتَكْمِيلِ الْوَصْفِ الْمَطْلُوبِ وَلَا تَعَلُّقَ لِلْقِصَاصِ بِهَا وَقَدْ وُجِدَتْ الْمُسَاوَاةُ هَاهُنَا فِي الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَكَانَتْ الْعِصْمَةُ لِأَجْلِهِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ الْقِصَاصِ فَأَمَّا نُقْصَانُ الْبَدَلِ فَلِنُقْصَانِ الْأَوْصَافِ الزَّائِدَةِ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي تَنْقِيصِ الْبَدَلِ وَتَكْمِيلِهِ فَأَمَّا حَقُّ الْقِصَاصِ فَلَا بِدَلِيلِ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَثُبُوتِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْبَدَلِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ قَتَلَ عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقَ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَتَسَاوَى الْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ لِمَنْعِ الْعِتْقِ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ إذْ الْمَانِعُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمَانِعِ حَالَةَ الْوُجُوبِ.

قَوْلُهُ (وَأَوْجَبَ الرِّقُّ نَقْصًا فِي الْجِهَادِ) لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الرِّقَّ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي قُوَى الْبَدَنِ حِسًّا لَكِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ قُدْرَةٌ بِالْمَالِ وَقُدْرَةٌ بِالْبَدَنِ وَالرِّقُّ كَمَا يُنَافِي مَالِكِيَّةَ الْمَالِ يُنَافِي مَالِكِيَّةَ مَنَافِعِ الْبَدَنِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْبَدَنِ لِقِيَامِهَا بِهِ وَالْبَدَنُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَمِلْكُ الْأَصْلِ عِلَّةٌ لِمِلْكِ التَّبَعِ فَكَانَتْ الْمَنَافِعُ مِلْكًا أَيْضًا تَبَعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>